العزلة المالية تضرب سندات اليوروبوند

هدى علاء الدين

تسيطر حالة عدم اليقين على المستويات كافة في لبنان الذي ينتظر انقضاء فصل الصيف والموسم السياحي الموعود به، ليضرب من جديد موعداً مع استحقاقاته السياسية والاقتصادية. استحقاقات متراكمة ومصيرية سترسم مطلع أيلول المقبل مساراً تحوم حوله العديد من علامات الاستفهام، فإما أن يكون مساراً وطنياً تصحيحياً أو استكمالاً للمسار الانهياري الذي استعرت فيه كل أنواع الفوضى والتشتت.

بالكثير من الحذر والتأني، تخوض الأسواق المالية حرب الانهيار ومعركة الصمود، بحيث واصلت سندات اليوروبوند أو ما يُعرف بسندات الدين العام بالعملات الأجنبية في الأسبوع الأول من تموز الجاري هبوطها الحر إلى مستويات متدنية تاريخية، وذلك بحسب التقرير الأسبوعي لبنك عوده. وتراوحت قيمتها بين الـ 5.88 و6.25 سنتاً للدولار الواحد وسط مخاوف من اصطدام التشكيل الحكومي بحائط مسدود وعدم توصل المجلس النيابي بسبب تكوينه المفكك إلى توافق على إقرار التشريعات الاقتصادية والاصلاحية التي يحتاجها لبنان تمهيداً لإنجاز اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والبدء بمحادثات فاعلة مع حاملي سندات الدين الحكومية. وعليه، تكون السندات السيادية قد سجلت على المستوى التراكمي تقلصات في الأسعار مقدارها 3.75 إلى 4.38 دولارات منذ بداية العام 2022. ولا يزال لبنان في قائمة الدول المتخلفة عن سداد ديونها وذلك وفقاً لتقرير صادر عن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، الذي حذرت فيه من أن قائمة المتعثرين أو المتخلفين عن السداد قد تتّسع لتطال 17 دولة من إجمالي 100 دولة تقوم “فيتش” بتغطية أوضاعها الاقتصادية، وهو ما اعتبرته الوكالة مستوى قياسياً. وقد شملت القائمة كلاً من باكستان وسريلانكا وزامبيا ولبنان وتونس وغانا وإثيوبيا وأوكرانيا وطاجكستان والسلفادور وسورينام والاكوادور وبليز والأرجنتين وروسيا وبيلاروسيا وفنزويلا، لتقلّص بذلك “فيتش” رؤيتها المستقبلية لقطاع الديون السيادية من إيجابي أو بتحسن إلى محايد.

أما سوق القطع، فيشهد من الحين إلى الآخر ارتفاعات متفرقة للدولار متخطياً حاجز الـ 29000 ليرة، بسبب ازدياد المخاوف أيضاً من الوقوع في فراغ حكومي إلى حين موعد الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية في تشرين الأول المقبل، والأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي يرزح تحتها لبنان، لا سيما لناحية استمرار تآكل الاحتياطي المركزي إلى الـ 11 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن استمرار مصرف لبنان في توفير العملة الأجنبية عبر منصة “صيرفة” وضخ الدولار الاغترابي في الأسواق هذه الفترة يسهمان بشكل رئيس في لجم سعر الصرف.

وتشير مصادر “لبنان الكبير” إلى أن هذا التراجع الذي تشهده سندات اليوروبوند يعود بصورة مباشرة إلى انعدام الثقة بالأسواق المالية، وانعدام الآمال بالتعافي على المدى القصير، ليصبح لبنان من الدول التي تتمتع بمخاطر عالية في نظر الأسواق العربية والعالمية. وبحسب المصادر، فإن تخلف حكومة حسان دياب عن سداد الديون المستحقة في آذار 2020، أسهم في عزل لبنان عن النظام المالي الدولي وأبعد الكثير من المستثمرين عن الاستثمار في أصول لبنان. كما أن الاستمرار في المماطلة في التفاوض مع الدائنين من أجل إعادة هيكلة الديون يؤثر سلباً على عملية استعادة الثقة، خصوصاً وأن التحديات المرافقة لتأخير العمل بالسياسات التي تخفف من مخاطر تفاقم مشكلة الدين عندما تتزامن مع ارتفاعات معدلات التضخم وانهيار العملة الوطنية وازدياد معدل الفقر والبطالة، تزيد من صعوبة الاقتراض مجدداً وترفع من تكلفة إعادة تمويل الديون.

شارك المقال