لبنان غداً: “صيرفة” خارج الخدمة وATM بلا نقود

هدى علاء الدين

يشهد القطاع المصرفي في لبنان منذ بداية الأزمة لعبة كرّ وفرّ تتعدد أوجهها تبعاً للمعطيات والتحديات التي تفرض نفسها على ساحة الأزمات المتشعبة. مصارف لبنان دخلت عين العاصفة على وقع مطالبات مستمرة بضرورة إعادة هيكلتها من أجل انتاج قطاع متجدد يكسب ثقة المودعين من جديد ويبعد عنه دائرة الاتهمات التي تتصاعد وتيرتها مع تزايد الوقت الضائع وازدياد خسائر المودعين.

سنوات الأزمة لم تمرّ مرور الكرام على القطاع المصرفي الذي شهدت أبوابه إضرابات وإغلاقات متعددة، بحيث لم تنجح إدارة هذا القطاع حتى الآن في اتخاذ الاجراءات الكافية لطمأنة المودع أو أقله الحفاظ على ما تبقى من أمواله من العملة الصعبة، الأمر الذي جعلها عرضة للانتقادات والاتهامات في كلّ وقت وحين، حتى أصبح السؤال عما إذا كانت هذه المصارف ظالمة أم مظلومة سؤالاً متشعب الاحتمالات تصعب الإجابة عنه.

غداً، تدخل مصارف لبنان إضراباً جديداً عن العمل سيشل القطاع المصرفي بأكمله من الشمال إلى الجنوب، على أن تُقرّر الجمعية العمومية للمصارف في العاشر من آب الموقف الذي تراه مناسباً في هذا الشأن. الجمعية التي عزت إضرابها إلى ما وصفته بالمواقف المضرة والشعبویة على حسابها وحساب الاقتصاد، اعتبرت أن الإضراب بمثابة إنذار عام ودعوة للجمیع الى التعامل بجدیة ومسؤولیة مع الأوضاع الراهنة في القطاع.

قرار الجمعية يأتي في ظل البدء بإقرار الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي وإن كانت لا تحظى بالرضى أو التوافق الكلي بسبب علامات الاستفهام الكثيرة حول العديد من بنود القوانين الاصلاحية، وهو ما يعني الوصول حتماً ولو بعد حين إلى تطبيق أحد الشروط الاصلاحية الرئيسة والمتمثلة في إعادة هيكلة المصارف، لا سيما أن هذا المطلب بات أكثر من ضروري اليوم من أجل غربلة القطاع المصرفي بهدف تقويته لا تصفيته. وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أنها تثير قلق العديد من أصحاب المصارف خوفاً من عمليات الدمج والاستحواذ والشروط القاسية التي سترافقها، خصوصاً وأن صندوق النقد قد طلب مؤخراً إجراء تقويم مالي

لـ 14 مصرفاً لبنانياً. كما أن الخطة المالية التي وضعتها الحكومة اللبنانية لا تحظى بنودها بموافقة المصارف التي ترفض تحميلها الجزء الأكبر من الخسائر المالية رفضاً قاطعاً.

في الظاهر، يبدو إضراب المصارف وكأنه صرخة احتجاج ضد الممارسات القضائية والسياسية تجاهها، إلا أن الغاية الضمنية من ورائه لا شك أنها أعمق بكثير. فهو بالدرجة الأولى رسالة ضغط للمعنيين بالملفات القضائية الخاصة بالمصارف مفادها أن كل قرار يتم اتخاذه بهدف محاسبة أو مساءلة أصحابها أو التعرّض لرأسمالها سيُرد عليه بالإغلاق الذي ستستخدمه المصارف كورقة رابحة من أجل تحسين موقعها التفاوضي مع السلطة السياسية لفرض شروطها لناحية إعادة الهيكلة وإجراءات التدقيق المالية في حساباتها. في المقابل، ترى المصارف في السياسات المنتهجة ضدها استهدافاً مقصوداً من أجل القضاء عليها وتحميلها مسؤولية الانهيار الكبير، في وقت تكبر فيه الفجوة بينها وبين المودعين بسبب عدم الوصول إلى حلول ترضي الأطراف كافة.

في بلد قائم على الصراعات والمناكفات لتغطية الجرائم التي تُرتكب بحقه، سيدفع المواطن يوم غد ثمن صراع مصرفي – قضائي لا علاقة له به، فالإضراب الذي لم تُحدد مدّته يُخشى في حال تمديده من انعكاساته على عمل منصة “صيرفة” بحيث سيُجبر ذلك التجار ومستوردي المحروقات على اللجوء إلى السوق السوداء من أجل الحصول على الدولار لزوم احتياجاتهم، الأمر الذي سيدفع سعر صرف الدولار إلى الارتفاع حكماً نتيجة ازدياد الطلب عليه. ومع توقف عمل المصارف إلى منتصف الأسبوع المقبل، وخلو الصرافات الآلية من الأموال وتوقف منصة “صيرفة”، سينتظر اللبنانيون يوم الخميس المقبل في حال تمّ تعليق الإضراب أمام المصارف في طوابير اعتادوا الوقوف فيها من أجل الحصول على رواتبهم ومعاشاتهم، وفي حال تم التمديد تحت عنوان استمرار التهديد والانتقام، فإن القادم سيكون أكثر خطورة ليس على المودع وحسب إنما على المصارف أيضاً.

شارك المقال