متى تُطفأ مطبعة الليرة؟

المحرر الاقتصادي

اللبنانيون يعانون الأمرّين في هذه الأيام الحرجة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فتشكيل حكومة تكون مهمتها اتخاذ إجراءات فورية من أجل وقف النزيف ووضع حد للانهيار الاقتصادي، استحقاق مجمّد. فيما حديث المواطنين يتركز على ملف الدعم، وعلى السلع التي سيصار إلى رفع الدعم عنها، وعلى البطاقة النقدية التي يفترض أن تشكل شبكة أمان اجتماعية، ولو مؤقتة، توازياً مع رفع الدعم المقبل حتماً والتي يبدو أن ولادتها لن تكون سهلة.

التجار والمستوردون لا يرأفون بحال اللبنانيين، وجشعهم دفن أي حس وطني لديهم. فأسعار السلع والخدمات لا تزال تأخذ منحىً تصاعدياً، ما يفاقم معدلات التضخم التي باتت تسجل أرقاماً ثلاثية تصاعدية باستمرار. فبحسب إدارة الإحصاء المركزي، سجل مؤشر أسعار الاستهلاك لشهر آذار 2021 ارتفاعاً نسبته 157.86 في المئة (كان 145 في المئة في شباط 2021) مقارنة بآذار 2020. كما سجل تضخم الأسعار خلال الفصل الأول من هذا العام 16.5 في المئة.

ولكن هل بلغنا مستوى التضخم المفرط أو ما يعرف بـhyperinflation؟ وهو أحد أنواع التضخم الذي يحدث نتيجة زيادة عرض النقد في السوق، ما يؤدي لانخفاض قيمتها الشرائية. ويُعرفه الاقتصاديون بأنه الحالة التي يزيد فيها معدل الزيادة في الأسعار عن 50 في المئة شهرياً، وهو بشكل عام معدل مرتفع جداً للزيادة في أسعار السلع والخدمات.

وفق حسابات الاقتصادي المعروف ستيف هانكي فإن تضخّم الأسعار في لبنان بلغ 319 في المئة وسطياً عام 2020، ما يدفعه إلى تصنيف لبنان على لائحة الدول التي تعاني التضخّم المفرط، لا بل إنه يصنّف لبنان ثالث أعلى دولة تعاني من تضخّم مفرط بعد فنزويلا وزمبابوي.

قد نكون دخلنا فعلاً في مرحلة التضخم المفرط بسبب الزيادة الكبيرة في المعروض من النقود المتداولة التي يضخها مصرف لبنان. لكن طباعة الليرة اللبنانية أمر ضروري لاستمرار تمويل الدولة. وإلا لن تكون قادرة على دفع الرواتب والنفقات الأساسية الأخرى.

فما مقدار النقد الذي يمكن لمصرف لبنان إصداره؟ وهل تجاوز سقفه القانوني؟

وفق المادة 69 من قانون النقد والتسليف: “على المصرف أن يبقي في موجوداته أموالاً من الذهب ومن العملات الاجنبية التي تضمن سلامة تغطية النقد اللبناني توازي 30 في المئة على الأقل من قيمة النقد الذي أصدره وقيمة ودائعه تحت الطلب، على ألا تقل نسبة الذهب والعملات المذكورة عن 50 في المئة من قيمة النقد المصدر”.

بالتفصيل، قفزت قيمة النقد المصدّر بنسبة 399.67 في المئة منذ تشرين الأول 2019، من 7 آلاف و305 مليارات ليرة إلى 36 ألفاً و502 ملياري ليرة في نهاية آذار 2021. وكانت لافتة الزيادة الكبيرة في تشرين الأول 2019 والتي بلغت حوالي 24 في المئة في شهر واحد.

وباتت الودائع تحت الطلب تبلغ 39 ألفاً و812 مليار ليرة في نهاية آذار 2021. وإذا ما أضيفت إلى النقد في التداول في الفترة المذكورة، فهي تصل إلى حوالي 76 ألفاً و315 مليار ليرة.

في المقابل، يملك مصرف لبنان حالياً ما مجموعه 16.7 مليار دولار (25 ألفاً و253 مليار ليرة) كاحتياطي من العملات الأجنبية. وهي مبالغ تتناقص شهرياً نتيجة دعم سلع أساسية مقابل غياب التدفقات من العملات. ففي أيار من العام الماضي، كانت هذه الاحتياطات تبلغ 34.2 مليار دولار لكنها شهدت تراجعات متتالية كانت نسبتها 37.3 في المئة أو ما قيمته 12.7 مليار دولار لتصل إلى المستوى الذي هي عليه اليوم.

وهذا يعني أن التغطية الوحيدة المتبقية للنقد الصادر ستكون احتياطات لبنان من الذهب التي بلغت قيمتها في منتصف أيار الحالي، 15.54 مليار دولار (23 ألفاً و431 مليار ليرة). وبذلك، يكون الذهب يشكل ما نسبته 30.7 في المئة من الودائع تحت الطلب والنقد المصدّر. وهذا يشير إلى أنه بالنسبة للذهب فقط، فان مصرف لبنان وصل إلى الحد المسموح به لطبع العملة، وفق ما ينص عليه قانون النقد والتسليف. ولكن اذا أُخذت في الاعتبار احتياطاته من العملات الأجنبية إضافة إلى الذهب، فإن نسبة التغطية سترتفع إلى حوالي 64 في المئة من الودائع والنقد المصدّر. بمعنى آخر، ومن منطلق قانوني، يمكن للمصرف المركزي الاستمرار في إصدار النقد. لكن من وجهة نظر اقتصادية ومدى جدوى هذا الاجراء، فالأمر مختلف طبعاً.

وبالتأكيد، أدرك مصرف لبنان المخاطر الناجمة عن الاستمرار في سياسة طبع العملة، فاتخذ إجراءات تهدف إلى تقليل النقد المتداول في السوق. فهو على سبيل المثال، ألزم مستوردي المنتجات المدعومة توفير المبالغ بالليرة مقابل الحصول على الدولار، ووضع قيوداً على عمليات سحب الودائع الدولارية بالليرة على سعر صرف 3900 ليرة مقابل كل دولار.

ماذا يعني كل ذلك؟ إنّ الحديث الذي يتم تداوله عن أن مصرف لبنان سيقدم على تعديل سعر سحب الودائع الدولارية، قد يكون مستبعداً. ولكن إذا صح ما يتم تداوله عن أن سعر صرف المنصة الإلكرتونية، التي انطلقت تقنياً وليس عملياً بعد، سيكون على أساس 10 آلاف ليرة لكل دولار، فماذا ستكون ردة فعل المودعين في ظل هذا الهامش الواسع بين سحب الوديعة وبين سعر المنصة؟ فلننتظر.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً