خطة التعافي ضائعة وتدابير “غب الطلب” تفاقم الأزمة

المحرر الاقتصادي

الصراع اليوم على أشده بين “التيار الوطني الحر” ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. فكل طرف يريد أن تميل كفة النصر لمصلحته على أبواب الاستحقاق الرئاسي المرجو. ووسط حرب البيانات الدائرة في هذه الأيام، يتحمل اللبنانيون وزر تخلي من يطلقون على أنفسهم مسؤولين عن مسؤولياتهم تجاههم وينتظرون أملاً ضائعاً خلف المصالح.

لا شيء يشي بأن خطة التعافي المالي والاقتصادي تأخذ طريقها إلى التنفيذ لكي يصل لبنان في نهاية المطاف الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. فما يحصل اليوم هو تمرير إجراءات “على القطعة” من دون أن تكون من ضمن مظلة رؤية شاملة وواضحة تدرس تبعات أي تدبير على الخزينة كما على المواطنين. مثلما هو حال الدولار الجمركي الذي تسعى الحكومة إلى تمريره في الوقت الضائع معتمدةً طريقة محاسبية صرف للإيرادات المرتقبة من هذا التدبير على الخزينة المنهكة أصلاً من دون النظر في أبعاده الاقتصادية وبمعزل عن تنفيذ برنامج اقتصادي ومالي شامل. علماً أن مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية التي أقرتها حكومة الرئيس ميقاتي في جلستها الأخيرة قبل تحولها إلى حكومة تصريف أعمال عقب الانتخابات النيابية، نصّت على أن جهود الحكومة المتعلقة بالإيرادات “ستركز على إعادة بناء قدرة تحصيل الضرائب ورسوم الجمارك من خلال تعزيز الادارة وتحسين الامتثال الضريبي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تقويم التعرفة الجمركية على الواردات بسعر الصرف الرسمي الموحد الجديد وسنضيف عدة رسوم أخرى”.

صحيح أن الخزينة بحاجة الى واردات جديدة لتغطية النفقات المتنامية، لكن هذا المسار يفترض أولاً توصل وزارة المالية الى اعتماد سعر صرف واحد في احتساب أرقام الموازنة أولاً. ويعني ذلك أن الدولار الجمركي الذي كشف “لبنان الكبير” سابقاً أن ايراداته المتوقعة تصل الى 14 ألف مليار ليرة، يفترض أن يأتي من ضمن سلة كاملة وبعد تحسين الامتثال الضريبي.

مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية والاقتصادية نقولا نحاس كشف أنه يدرس حالياً بين وزراة المال والنواب اعتماد رقم واحد في الموازنة وهو 12 ألف ليرة للدولار لاحتسابه على كل مداخيل الدولة من ضمن الموازنة، مشيراً إلى أنه جرى التوافق على هذا الرقم، ويجب أن يصدر عن وزارة المال بالتوافق مع مصرف لبنان ويُعتمد إلى حين تحديد سعر آخر.

والمفارقة أن نحاس يرفض فكرة الدولار الجمركي. “فكرة الدولار الجمركي خطأ، ليس هناك شيء إسمه دولار جمركي بل هناك سعر صرف ونحن نتكلم عن سعر صرف 12 ألفاً على كل شيء”، قال في حديث تلفزيوني.

الأمر الثاني هو عدم تمرير موازنة العام 2022 التي لا تزال تنتظر رقم سعر الصرف النهائي من وزارة المالية.

الأمر الثالث هو قانون تعديل السرية المصرفية الذي أقره مجلس النواب في جلسته في 26 تموز الماضي، وهو أحد أبرز المطالب التي يصر عليها صندوق النقد الدولي من ضمن سلة مطالب جوهرية وتمهيدية للتوصل الى توقيع اتفاق نهائي مع لبنان. وأعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون القانون من دون التأكد ما اذا كان حصل على رد من الصندوق على موافقته على التعديلات التي أدخلها مجلس النواب من دون العودة الى الصندوق، بعدما كان ساهم مع اللجنة الوزارية المكلفة التفاوض معه في إدخال التعديلات الضرورية كي تتلاءم مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد. يذكر أنه في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، حذفت نصوص مهمة وأساسية من مشروع التعديلات مثل عبارة “الجرائم المالية الأخرى” فيما بقيت لجنة الرقابة على المصارف الغائب الأكبر، ما ترك مجالاً للتنازع بين القوانين.

الأمر الرابع هو مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الذي لا يزال عالقاً في المجلس النيابي على الرغم من تسلم نائب رئيس المجلس النائب الياس بو صعب الملف مذ فترة وتواصله مع خبراء قانونيين ومتخصصين في الشؤون المالية والإقتصادية والمصرفية لدرس حيثيات هذا الموضوع على أهميته المطلقة.

أما قانون إعادة هيكلة المصارف فلم تنجزه الحكومة بعد، علماً أن المصارف تطالب بإشراكها في إعداده. وطالبت جمعية مصارف لبنان مجدداً الأربعاء بإقرار هذا المشروع، “مع التشديد على وجوب تأمين المشاركة السريعة والفعالة من قبل المصارف في إعداد هذا القانون، كونها المعني الرئيس به في ضوء إنعكاساته على موظفيها وعلى استمراريتها”.

قال نحاس إنه “لا يمكن إعادة هيكلة القطاع المصرفي قبل تحديد كيفية معالجة الفجوة المالية، وهي بقيمة 60 مليار دولار”، معرباً عن اعتقاده أن مقاربة معالجة الفجوة أصبحت ناضجة نوعاً ما عند فريق رئيس الحكومة. وتوقع أن يحال اقتراح قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي خلال أسابيع على المجلس النيابي أي بحلول أواخر آب أو مطلع أيلول.

إلا أن إعادة هيكلة المصارف المنشودة تفترض أولاً الانتهاء من تقويم خسائر المصارف الـ14 التي تمثل 83 في المئة من الأصول، (كل مصرف على حدة) وتحليل بنية الودائع وهيكليتها والتي تدرسها حالياً لجنة الرقابة على المصارف. وكانت خطة الحكومة للتعافي حددت أن هذا الأمر سوف ينجز في نهاية أيلول 2022، وهذا يعني أن إحالة مشروع إعادة الهيكلة لن تتم قبل تشرين الأول المقبل.

أمام مجلس النواب مهمة صعبة جداً في الوقت المستقطع قبل بلوغ الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول المقبل. وقال رئيس المجلس نبيه بري إنه لن يدعو الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية قبل إقرار الاصلاحات التي من شأنها أن تنقذ لبنان وتسمح له بتوقيع اتفاق نهائي مع الصندوق. كما أشار إلى أن على مجلس النواب العمل على إجازة قوانين الاصلاح في آب. لكن مسار الأمور يؤكد أن الرياح لن تجري كما تشتهي السفن.

شارك المقال