قصة أزمتين: اليونان تسدل الستارة ولبنان لم يعتل المسرح بعد

المحرر الاقتصادي

في العشرين من آب الحالي، أنهت اليونان رسمياً نظام المراقبة المعزز الذي أعقب عمليات إنقاذ ثلاث متتالية من 2010 إلى 2018.

وكانت الحكومة اليونانية لجأت في 2010 إلى الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، بعدما رأت أن خزائنها فارغة.

ومنذ ذلك العام، وُضعت ثلاث خطط إنقاذ بقيمة 289 مليار يورو من قبل الدائنين الذين كانوا يطالبون أثينا باتخاذ تدابير تقشفية من أجل تحسين ماليتها العامة وجلب الأموال إلى الصناديق. خُفّضت معاشات التقاعد والأجور وزيدت الضرائب وجُمّد التوظيف العام وخفضت ميزانيات الإدارات والمستشفيات وجميع الهيئات العامة.

في 2018، انتهى البرنامج الثالث. لكن المفوضية الأوروبية أطلقت بعد ذلك نظاماً للمراقبة المعززة للاقتصاد اليوناني للتحقق من تنفيذ الإصلاحات المتخذة واستمرار عمليات الخصخصة.

لقد استغرقت المراقبة الصارمة من المفوضية الأوروبية لاقتصاد اليونان 12 عاماً على الرغم من أنه لم يتعاف بعد بالكامل اليوم. فكم عاماً ستستغرق عملية تعافي لبنان الاقتصادي على افتراض أنه بُدئ العمل بها من اليوم، لاسيما وأن البلدين يملكان العديد من القواسم المشتركة التي تتعدى الأكل والطبيعة والعادات وغيرها؟ من أبرز هذه القواسم:

  • البلدان تخلّفا عن سداد التزاماتهما الدولية، فيما أدت الأزمة الاقتصادية التي استفحلت في كل منهما إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي ورفع نسبة الدين الى الناتج الى مستويات شديدة الإرتفاع، وتسجيل انكماش في الاقتصاد، وفقدان العملة المحلية من قيمتها مقابل تضخم مرتفع.

  • البلدان لم يقرا قانوناً لتقييد السحوبات المصرفية فور اندلاع الأزمة. ففي اليونان، أقر قانون ما يعرف بـ”الكابيتال كونترول” بعد أربع سنوات على بدء الأزمة، أي في أيلول من العام 2015، بعد مواجهة بين مقرضي الإنقاذ الدوليين والحكومة اليونانية والتي أدت إلى إغلاق المصارف اليونانية ثلاثة أسابيع وفرض قيود صارمة على عمليات السحب النقدي. ولاحقاً، بعد توقيع اليونان اتفاقية الإنقاذ الثالثة على التوالي، فككت القيود المصرفية تدريجياً إلى أن رفعت نهائياً في العام 2019. وأعلن رئيس الوزراء اليوناني المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس في تغريدة بعد رفع القيود نهائياً أن “إلغاء ضوابط رأس المال شرط ضروري لجذب الاستثمار والنمو”. أما في لبنان، فلا تزال مسألة إقرار قانون يقيد السحوبات المصرفية مدار جدل واسع بعد ثلاث سنوات على اندلاع الأزمة التي وصفت بأنها “أزمة العصر”. إلا أنه خلافاً لما حصل في حالة اليونان حيث دفع اقفال المصارف الى اقرار القانون، لم يحصل هذا الأمر في لبنان على الرغم من اقفال القطاع المصرفي 14 يوماً بعيد اندلاع الأزمة.

  • أصبح النظام المصرفي اليوناني بأكمله معسراً خلال الأزمة. وواجهت المصارف اليونانية صعوبة في تمويل نفسها في سوق ما بين المصارف، وكانت ملاءتها المالية موضع شك بسبب الخسائر المتوقعة في قيمة أصولها. والكثير يقال هنا عن حال النظام المصرفي في لبنان الذي بات يعاني أزمتي سيولة وملاءة.

  • لأن المصارف اليونانية اضطرت إلى تقليص إقراضها، تباطأ الاقتصاد وانخفضت عائدات الضرائب.

  • لم يعد المستثمرون الأجانب مستعدين لإقراض اليونان ككل (الحكومة والمصارف والشركات)، وبالتالي لم تستطع الدولة تمويل عجز الحساب الجاري وعجز الموازنة.

  • يملك البلدان حجماً مهماً من مخزون الذهب. فلدى اليونان حوالي 114 طناً وتحتل المرتبة 15 الأعلى حيازة في أوروبا. فيما يملك لبنان أكثر من ضعف هذا الحجم، وهو 286.8 طناً ويحتل المرتبة الثانية عربياً بعد السعودية من حيث حيازة الذهب.

  • في كلا البلدين، لم يحاسب المسؤولون عن الأزمة التي أكلت رواتب الموظفين وقدرتهم الشرائية وحجزت أموالهم في المصارف.

إلا أنه لا يمكن إنكار أن هناك العديد من الاختلافات بين لبنان واليونان، من شأنها أن تحدد تأثير الأزمة على كل منهما ومدى سرعة تعافيهما، وأهمها:

  • الخدمات العامة الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه والصحة والنقل العام والصرف الصحي، والتي كانت متوافرة في اليونان خلافاً لما هي عليه حالة لبنان المتردية في هذا المجال.

– تتمتع اليونان بمؤسسات قوية شبه مفقودة في لبنان قادرة على استنباط حلول للأزمة. فعدم التوافق السياسي منذ اندلاع الأزمة اللبنانية في تشرين الأول من العام 2019 تسبب بانهيار الليرة، وتراجع دراماتيكي للقوة الشرائية، و”اختفاء” الودائع المصرفية، وذوبان الاحتياطات بالعملات الأجنبية، وتسجيل عجوزات كبيرة في ميزان المدفوعات، وغيرها.

قد تكون مقولة ان لبنان أسرع من اليونان في التعافي، فيها جزء من الصحة، نظراً الى ما يتمتع به من طاقات وامكانات كامنة من شأنها أن تسرّع نهضته. لكن هذه الشعارات لن تخرج لبنان من محنته التي يعتبر البنك الدولي أنها “متعمدة”، حين يشير إلى أن “الكساد المتعمّد في لبنان هو من تدبير قيادات النخبة في البلاد”. فهل يعقل أنه بعد ثلاث سنوات على الأزمة، لا تزال الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي ولاسيما صندوق النقد الدولي، عالقة إما في أروقة مجلس النواب أو في حقائب الوزراء؟

وهل يعقل ألا يتم التوصل بعد الى صيغة نهائية لخطة من شأنها أن تحقق الاستقرار والتعافي المالي الكلي؟

وهل يعقل عدم الشروع سريعاً في إصلاح شامل ومنظم لقطاع الكهرباء الذي يبقى في صميم مسار الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في لبنان؟

إنها ضريبة عدم التوافق السياسي يدفعها كل لبناني اليوم، والتي يبدو أنها مستمرة في ظل عدم جلاء صورة الانتخابات الرئاسية.

شارك المقال