تدهور الاقتصاد الكلي يُهدد تصنيف لبنان الائتماني

هدى علاء الدين

في خطوة غير مستغربة، أبقت وكالة التصنيف الدولية “فيتش” تصنيفها الائتماني الطويل الأمد بالعملات الأجنبية للبنان عند حالة التخلّف عن الدفع المقيدة Restricted Default، في حين أبقت التصنيف الائتماني القصير الأمد بالليرة اللبنانية وبالعملات الأجنبية عندC والتصنيف الائتماني الطويل الأمد بالعملة المحلية عند CC، وتصنيف السقف السيادي عند CCC. وأرجعت الوكالة هذه التصنيفات إلى عدم وفاء لبنان بدفع سندات اليوروبوندز في 9 آذار العام 2020، مشيرة إلى أن الحكومة توقفت أيضاً عن دفع سنداتها المستحقة من هذه السندات بانتظار اتفاقية إعادة هيكلة الديون مع الدائنين، في وقت لا تزال فيه الحكومة “تخدم” التزاماتها بالعملة المحلية.

الوكالة التي أشارت إلى الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين في نيسان 2022 بشأن تمويل لمدة أربع سنوات بحوالي 3 مليارات دولار لدعم برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي والمالي، اعتبرت أن توقيت تنفيذ البرنامج لا يزال غير مؤكد بسبب المشهد السياسي الذي يمكن أن يعوق اتخاذ الاجراءات المطلوبة للحصول على موافقة من مجلس إدارة الصندوق. كما لفتت إلى وجود العديد من الاجراءات المسبقة التي يُطالب بها صندوق النقد وتشمل موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وموافقة مجلس النواب على تشريعات تتعلق بقضايا مصرفية طارئة، وقانون جديد للسرية المصرفية، وميزانية العام 2022، فضلاً عن توحيد أسعار الصرف المتعددة، ودعم تطبيق قانون “الكابيتال كونترول”، ومراجعة وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، والبدء بتقويم أكبر 14 مصرفاً. وبحسب وكالة “فيتش”، فقد أحرزت السلطات اللبنانية تقدماً في بعض هذه المطالب لا سيما لناحية تعديل قانون السرية المصرفية، والاكتمال شبه النهائي للتدقيق الجنائي في المصرف المركزي واقتراب التصديق على موازنة الـ 2022 في المستقبل العاجل.

من جهة أخرى، سلّطت الوكالة الضوء على الرصيد السلبي الصافي للعملات الأجنبية في مصرف لبنان وعواقبه على المصارف والمودعين. إذ تُظهر الأرقام أن مطلوبات المصارف بالعملات الأجنبية بلغت 104 مليارات دولار في حزيران 2022، في حين بلغت أصولها بالعملات الأجنبية حوالي 79 مليار دولار لكنها “غير متاحة لها” نظراً إلى أن احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية السائلة الاجمالية استقرت عند مستوى 11 مليار دولار فقط اعتباراً من حزيران 2022 (باستثناء 17 مليار دولار من احتياطيات الذهب التي يحتاج المركزي إلى موافقة برلمانية لبيعها). وأشارت “فيتش” في هذا الصدد إلى عدم وجود توافق في الآراء بين الحكومة والقطاع المالي حول كيفية إعادة التوازن الناتج عن شح الدولار وتوزيع الخسائر المالية، معتبرة أن ظروف الاقتصاد الكلي قد تدهورت بنسبة كبيرة نتيجة قيود وضوابط الـ Capital Control، ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم الذي أعاق النشاط التجاري بصورة كاملة.

كما تناولت الوكالة مسألة تعدد أسعار الصرف والتي تتراوح من سعر الصرف الرسمي البالغ 1،507 ليرات لبنانية لكل دولار إلى سعر السوق الموازية المتقلب الذي يبلغ حوالي 30،200 ليرة لبنانية لكل دولار (نهاية تموز 2022). وقدرت الوكالة انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 26 في المئة عام 2020 وبنسبة 5 في المئة عام 2021 متوقعةً انكماشاً إضافياً في العام الجاري، مع الإشارة إلى حالة الاستقرار التي يمرّ بها القطاع الخاص على الرغم من معدل التضخم الذي بلغ 200 في المئة على أساس سنوي في العام 2022 (مقارنة بمتوسط معدلات التضخم التي بلغت 155 في المئة عام 2021 و85 في المئة عام 2020).

وبحسب “فيتش”، فقد أدّى انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار إلى وصول الدين العام إلى 361 من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2021، أي أكثر من ضعف المستوى المسجل في العام 2019، موضحة أن مستوى الدين العام للعام 2022 وما بعده سيعتمد على معايير إعادة هيكلة للديون، على أن ينخفض إلى 127 في المئة العام الجاري ومن ثم إلى حوالي 100 في المئة عام 2026. كما أدى التضخم إلى انخفاض قيمة الدين بالعملة المحلية إلى 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021، وهو أقل من نصف مستوى العام 2019، بالتوازي مع استمرار حالة عدم اليقين لناحية المفاوضات مع المستثمرين التي لا تزال معلقة، إذ من المرجح أن تؤدي إعادة هيكلة الديون إلى “إصلاح شامل” للقطاع المالي.

وختمت الوكالة تقريرها بإمكان إجراء تصنيف سيادي إيجابي في حال توصلت الحكومة إلى إبرام اتفاق مع الدائنين من أجل البدء بإعادة الهيكلة مع دائنيها والاستمرار بها، وكذلك بإعادة النظر في التصنيف الائتماني الطويل الأمد للعملة المحلية إذا ما تم استبعاد الدين بالليرة اللبنانية من عملية إعادة هيكلة للديون. كما أعلنت أنها ستخفض التصنيف الائتماني للعملة المحلية اللبنانية على المدى الطويل في حالة ظهور خطة لإعادة هيكلة للديون بالعملة المحلية أو في حال حدوث تخلف عن السداد في الدين بالعملة المحلية أيضاً.

وتعليقاً على ما ذكر في تقرير “فيتش”، أشارت مصادر مالية لموقع “لبنان الكبير” إلى أن سجل لبنان الحافل بالأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية في السنوات الأخيرة ينعكس بصورة سلبية على تصنيف لبنان الائتماني، بالتوازي مع بطء تنفيذ الإصلاحات وإقرارها في المجلس النيابي والتي تمنع الوصول إلى مصادر العملة الأجنبية، معتبرة أن جهود الحكومة لا تزال خجولة وغير كافية لتغيير نظرة الوكالات العالمية بلبنان. كما أن التقلبات السياسية المتكررة لا تفتح المجال لأي حلول جذرية، علماً أن الحاجة باتت ملحة لاتخاذ بعض الخطوات الضرورية لعلّ أبرزها بدء المفاوضات مع الدائنين من أجل إعادة هيكلة الدين العام والذي يُعد الركن الأساس لمواجهة التصنيف الائتماني المتدني ولتخفيض المخاطر الناتجة عن فقدان القدرة على استيعاب الصدمات المالية وتحمل عبء الديون.

شارك المقال