الدولار يُسابق الاستحقاق الرئاسي

هدى علاء الدين

تتسارع خطوات الدولار صعوداً مع دخول لبنان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية والتي على ما يبدو دخل معها مرحلة المجهول على مختلف الصعد. الدولار الذي يسطع نجمه مع كل استحقاق سياسي أو اقتصادي يستعدّ لقفزات مريبة وسط توقعات بالمزيد من الانهيار في العملة الوطنية نتيجة الضغوط المستمرة على العملة الخضراء يأتي في مقدمها الضبابية التي تسيطر على الاستحقاق الدستوري والاستنزاف المستمر لاحتياطي مصرف لبنان الذي وصل إلى الخطوط الحمر.

علامات الاستفهام المقلقة لناحية عودة الدولار إلى الارتفاع باتت تظهر بشكل واضح قطعت الشك باليقين حول مصير ومسار الدولار في الأسابيع القليلة المقبلة. فمن عتبة الـ 32000 ليرة قفزت العملة الخضراء في غضون 24 ساعة إلى ما يقارب الـ 36000 ليرة الجمعة الفائت في هزة مالية جديدة من سلسلة هزات يُتوقع لها أن تضرب بعمق ما تبقى من الاقتصاد اللبناني الذي تعاني قطاعاته كافة من انهيارات مدوية واضرابات عن العمل تُهدد بشكل مباشر هذا الأسبوع قطاع الاتصالات والانترنت، مقابل عتمة شبه شاملة وأسعار حارقة للمحروقات باتت تتغير مرتين يومياً. وأدى هذا الارتفاع المتواصل إلى تراجع الاستهلاك، ليسجل متوسطه اليومي 281 ألف صفيحة يومياً عام 2022 انخفاضاً من 328 ألف صفيحة عام 2021 أي بتراجع مقداره 47 ألف صفيحة ونسبته 14.3 في المئة، مع توقعات بالمزيد من الانخفاض نتيجة عوامل خارجية تتمثل في استمرار ارتفاع الأسعار عالمياً أو داخلياً في حال تمّ رفع الدعم كلياً عن البنزين أو ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

وفي جولة على الصرافين في بيروت، تسيطر حالة من عدم اليقين، فمنهم من يتوقع معاودة الارتفاع في حين اكتفى البعض الآخر بالقول “الله وأعلم”، في ظل حركة كثيفة تشهدها محلات الصيرفة مع كل قفزة إضافية للدولار إما بيعاً خوفاً من الانخفاض أو شراءً خوفاً من الارتفاع. فالطلب على الدولار بات يتخطى العرض بكثير مع “دولرة” مقنعة لكافة المصاريف التي تُدفع بالدولار حصراً أو على سعر الصرف في السوق الموازية. فالحاجة إلى الدولار لتغطية الاستهلاك اليومي والنفقات الشهرية ولزوم الاستيراد جعلت الدولرة حكماً واقعاً لا مفر منه.

مالياً، لا يوجد أي مؤشرات أو خطوات على أرض الواقع قد تلجم سعر الصرف في المرحلة المقبلة أو تُهدئ من جنونه. ومع اتجاه مصرف لبنان إلى المزيد من التقشف وتغيير الأولويات التي تحوّلت بشكل جذري من أولويات اقتصادية إلى بحت سياسية، وسقوط لبنان في فخ عدم إجراء الإصلاحات واللامبالاة لناحية إنجاز ما هو مطلوب بالحد الأدنى وتوتر العلاقة بين لبنان وصندوق النقد الدولي على خلفية الرسالة التي وجهها الصندوق إلى مجلس النواب والتي يحتجّ فيها على قانون السرية المصرفية، يدخل الدولار من جديد نفقاً مظلماً لن ينتهي إلا مع انتهاء أزمات العهد المتوالية، على أن يكون السيناريو الأخطر ذلك المتمثل في الفراغ الرئاسي بالتوازي مع فراغ حكومي في حال تحقُّق الضربة القاضية لليرة اللبنانية.

ويتسابق الدولار صعوداً مع الاستحقاق الرئاسي كغريمين لدودين يدفعان لبنان إلى قعر الانهيار ويأخذان شعبه رهينة جحيمه. سباق تحدٍ سيتخلله الكثير من المطبات المالية والهيستيريا السياسية قبل الوصول إلى خط النهاية الذي سيُحدد مصير عهد لبنان الجديد.

شارك المقال