سيّاح لبنان مغتربوه هذا الصيف

فدى مكداشي
فدى مكداشي

السياحة هي العمود الفقري للاقتصاد كونها تشكل مصدرا ًرئيسياً للمداخيل. فالتجارب العالمية في الدول التي واجهت مشكلات اقتصادية شبيهة بلبنان كاليونان، أثبتت أنها قادرة على مجابهة محنتها من خلال هذا القطاع الحيوي. إذ واجهت اليونان في بداية أزمتها الاقتصادية استحقاقات عدة مماثلة منها سياسات “الكابيتال كونترول” وتدهور العملة أمام الدولار وغيرها من الأزمات المتشابهة.

فهل سيكون القطاع السياحي في لبنان قادراً على اكتساب مناعته مجدداً؟ وكيف في ظل التخبطات المالية والاقتصادية؟ وما هي التوقعات للصيف المقبل؟

 

السياحة الوافدة

يعود مستشار وزير السياحة، مازن بو درغام في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”، بالذاكرة إلى العام 2010 حين تخطى عدد السياح المليونين ليصل المردود على الدخل القومي من المؤسسات السياحية ما يقارب الـ١٠ مليارات دولار. وقد تكاثرت المؤسسات السياحية وتطورت خدماتها خلال السنوات، فبلغ المدخول من هذا القطاع بين 7 مليارات دولار و8 مليارات بحسب منظمة الصحة العالمية عام ٢٠١٩. و”نتوقع حصول حركة اغترابية هذا العام أفضل من العام الماضي، وأن تكون الأرقام قريبة لتلك التي وصلنا إليها عام ٢٠١٩ إذ سجلنا ١.٩ ملايين سائح، لكن هذا الرقم تدنى عام ٢٠٢٠ إلى ما دون ٣٠٠ ألف سائح وذلك بسبب كورونا وانفجار المرفأ والأزمة الاقتصادية”.

 

بحسب إحصاءات “الدولية للمعلومات”، وصل عدد السياح والزوار في العام 2010 إلى ذروته وبلغ 2.1 مليوني سائح. بعدها أخذ العدد بالتراجع نتيجة الأوضاع الأمنية في لبنان وفي المنطقة لا سيما الحرب السورية وإغلاق الطريق بين سوريا والدول العربية. فانخفض العدد إلى 1.2 مليون سائح في العام 2013 ليعاود بعدها الارتفاع التدريجي حتى وصل في العام 2018 إلى 1.9 مليون سائح. وحافظ على العدد ذاته في العام 2019 لينخفض بشكل كبير في العام 2020 نتيجة كورونا وإغلاق مطار رفيق الحريري الدولي ووصل إلى 321 ألفأ أي بانخفاض نسبته 83.4 في المئة عن العام 2019.

وتبقى الإشارة إلى أنه ضمن هذه الأعداد، يدخل اللبنانيون الوافدون بجوازات سفر أجنبية ويعتبرون سياحاً وهم في الواقع ليسوا كذلك.

 

وينوه بو درغام بأن انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة يسمح باستقطاب سياح من الخارج، مقسّماً السياحة بين اغترابية وداخلية. فـ”لا يمكننا أن ننسى السائح اللبناني المغترب الذي يعود إلى فصل الصيف لتمضية إجازته مع أهله، وأيضاً الأشخاص الذين لديهم أعمال وبعضهم يأتون للاستثمار، وذلك على رغم المشكلات التي واجهتهم ضمن القطاع المصرفي. ونحن نعي أنها عامل سيصعّب الأمور على الاقتصاد اللبناني. أما بالنسبة للسياحة الداخلية، فقد كان لدينا العام الماضي ١٩ بيت ضيافة، وارتفع هذا الرقم ليصل الى ٥٠ بيتاً مسجلاً ضمن وزارة السياحة. كما لدينا أعداد أكثر بحسب مفتشي الوزارة ولكنها غير مصرّح لها وهذا دليل على انتعاش السياحة الداخلية في البلد”.

 

ومن أجل المحافظة على القطاع، تعمل وزارة السياحة على ضبط الأمور من خلال إعادة جدولة تلك البيوت غير المصرح لها كي تقدم تراخيصها اليها.

 

أما بالنسبة للمناطق التي تنتعش فيها السياحة الداخلية، فيشير الى أن “التركيز اليوم لم يعد على بيروت فقط، بل هناك مناطق لبنانية عدة مثل أنفه والبترون وفخرة وغيرها من المناطق وخصوصاً أن المغتربين الذين يأتون من الخارج يفضلون أن يستأجروا البيوت البعيدة عن العاصمة هرباً من زحمة السير وخوفاً من المشكلات الأمنية”.

 

بالنسبة للأسعار، يؤكد بو درغام “أننا ضمن اقتصاد وطني حر مما يتيح للمؤسسات السياحية أن تضع التسعيرة التي تناسبها. إلا أن الوزارة تحرص دائماً على الإشراف على الأسعار، وعلى كل المؤسسات أن تصدق أسعارها ضمن الوزارة وإلا تعتبر مخالفة”، معتبراً في الوقت عينه أن “وضع سعر الصرف في ظل هذه الأوضاع هو عامل جذب للأجنبي مثل ما كانت مصر وتركيا في وقت من الأوقات بالنسبة للبنانيين”.

 

عن خطط الوزارة المقبلة، يقول: “سنشارك في ٢٦ من الشهر الحالي في افتتاح مكتب منظمة السياحة العالمية في الرياض وستكون لدينا لقاءات جانبية مع وزراء السياحة العرب لمناقشة الأوضاع السياحية العامة وكيفية استفادة البلدان العربية ولبنان منها”.

 

فنادق تتحدى الأزمة

في المقابل، يبدي رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر تشاؤمه من نشاط حركة السياحة في لبنان هذا العام. ويقول “إن غالبية السياح الذين سيأتون هم من رجال الأعمال وتربطهم علاقات مهنية بوكلائهم، خصوصاً أن هناك زهاء آلاف الوكالات في لبنان. أما السائح العادي فلا يخاطر خصوصاً أن صورة لبنان في الخارج قاتمة. كل شيء يؤثر سلباً على السّياحة”.

 

أما بالنسبة لأسعار الفنادق والمنتجعات، فيشير الى أن “هناك أسعاراً عدة مختلفة تبدأ من ٢٠٠ ألف ليرة منامة في فندق وتصل الى المليون وحتى المليونين”.

 

وكان وزير السياحة كشف منذ أسابيع قراراً حكومياً يلزم الفنادق بتقاضي التعرفة بالعملات الأجنبية للأجانب الذين يأتون إلى لبنان،. أما بالنسبة للأجانب المقيمين على الأراضي اللبنانية، فالتعرفة ستبقى بالليرة.

 

ويلفت الأشقر الى أنه “لطالما كان أهل الخليج العمود الفقري للسياحة في لبنان ولكن بسبب الأوضاع الأمنية تم منعهم من المجيء، وما فاقم هذا الوضع ما حصل أخيراً من تصريحات وزير الخارجية المستقيل شربل وهبة إلى قضية الكبتاغون المهرّب إلى السعودية. لذا، لم يبق لنا إلا المغترب القريب، أي زهاء ٤٥٠ ألف لبناني يعملون في البلدان العربية و٢٠٠ ألف منتشرين في أفريقيا وهم في الأساس يترددون إلى لبنان. وهناك عدد قليل من اللبنانيين يأتون من القارتين الأميركية والأوروبية”.

 

أما بالنسبة للبنانيين الذين يسافرون في موسم الصيف لقضاء إجازاتهم، فيشير إلى أنهم “يشكلون ٧٠٠ ألف لبناني، منهم من كان يذهب على شكل مجموعات سياحية الى قبرص واليونان وتركيا وإسبانيا. ولكن غالبيتهم لم تعد لديها القدرة لأن مصروفهم كله بالدولار الفريش. أما أولئك الذين لديهم القدرة فأموالهم محجوزة في المصارف”.

 

تعرفة المسابح في لبنان “حارقة”

يشير غسان عبدلله، وهو صاحب ست منتجعات في منطقة خلدة والرميلة، الى أن “أسعار الدخول في مسبح الجسر، تبدأ بـ ٤٠ ألف ليرة لتصل إلى ١٢٠ ألف ليرة للراشدين، وللأطفال ٢٠ ألفاً”. علماً أن “تعرفة الأسعار لارتياد المسابح كانت في الماضي ٣٠ ألف ليرة أي ما يساوي ٢٠ دولاراً. وهي اليوم باتت ٤٠ ألف ليرة أي ما يساوي تقريباً ٣ دولارات. وكل مصاريفنا بالدولار. اليوم لم تعد الرواتب تكفي الموظفين، فيما المواد التي نشتريها تعتمد على العملة الصعبة”.

 

أما بالنسبة لأسعار الطعام، فيقول: “كنا في السابق نذهب الى وزارة السياحة لتصديق الأسعار، ولكن مع الغلاء اليومي وتغير الأسعار بشكل مفاجئ ضاع التجار ولم نعد نعرف كيف نسعّر. ومن هنا انتشرت الفوضى. بناء على ذلك، ومن أجل التخفيف على المواطن في ظل هذه الظروف الصعبة، قررنا أن نسمح للمواطن أن يجلب معه طعامه المؤلف من مياه وسندويشات بالإضافة الى السماح له بجلب النرجيلة الخاصة به”.

 

ولفت الى أنه “عندما كنا نحيي الأعراس في هذه المنتجعات، كانت التسعيرة على الشخص الواحد ٣٠ دولاراً ولكننا اليوم خفّضناها إلى ١٠ دولارات فريش”. وكشف أن “معظم المنتجعات والفنادق محجوزة هذا العام، ونسعّر على الدولار لكي نستمر لأننا بحاجة الى الأرباح”.

 

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً