هل يعقل أن نستورد بأكثر من 10 مليارات دولار في 7 أشهر؟

المحرر الاقتصادي

كان من المفترض أن يتسبب استمرار التدهور الكبير في العملة المحلية مقابل الدولار بتراجع عجز الميزان التجاري، وهو الذي يمثل الفارق بين ما يستورده لبنان وما يصدّره.

فارتفاع الدولار يؤدي حكماً الى ارتفاع أسعار السلع المستوردة مما يتسبب بتقلص الطلب عليها مع تحويلها الى العملة المحلية في ظل التدني الكبير للقيمة الشرائية، وهو ما يؤدي الى تراجع الاستيراد، في حين يفترض أن يزيد التصدير مع الاستفادة من ضعف العملة المحلية.

لكن واقع الحال مختلف تماماً. فالاحصاءات الصادرة عن إدارة الجمارك أظهرت أن عجز الميزان التجاري ارتفع بنسبة 40.7 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021، في ظل نمو لافت للواردات هو في حدود 34.1 في المئة مقابل نمو بنسبة 12.7 في المئة للصادرات.

فقد ارتفعت الواردات الى 10.5 مليارات دولار من 7.8 مليارات دولار خلال الفترتين، وذلك يعود في جزء كبير منه الى ارتفاع الأسعار عالمياً مع تنامي التضخم وبلوغه مستويات قياسية. في حين ارتفعت الصادرات بواقع 1.9 مليار دولار مقابل 2.1 ملياري دولار، وهو ما تسبب بعجز تجاري قيمته 8.4 مليارات دولار من 6 مليارات في الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي.

يذكر أنه في العام 2021، سجل عجز الميزان التجاري ما قيمته 9.18 مليارات دولار، وكان فاق بنسبة 18.4 في المئة العجز المسجل في العام الذي سبق مع بدء الأزمة الاقتصادية المركبة.

قد يكون السبب الرئيس وراء ارتفاع الاستيراد، الحملة الاستباقية التي قام بها عدد كبير من التجار من أجل استيراد السلع وتخزينها بانتظار رفع سقف الدولار الجمركي من 1500 ليرة حالياً والاستفادة من الفارق بين شرائها اليوم وعلى أساس السعر الجديد. هذا الأمر هو الأكثر ترجيحاً بعدما أظهرت الأرقام أن استيراد المواد النفطية ارتفع بنسبة 32 في المئة أي ما يعادل 7 مليارات و500 مليون دولار.

ويساهم ارتفاع الاستيراد في زيادة تدفقات رأس المال الخارجة من لبنان، وبالتالي يخلق عدم توازن مستمراً في ميزان المدفوعات.

فالميزان التجاري يمثل المكون الأساس في تركيبة ميزان المدفوعات، وبالتالي فإن تراجع عجزه مهم وضروري لتقليص إخراج العملات الأجنبية من لبنان.

ففي ظل عجز في ميزان المدفوعات مقدّر تراكمياً بـ2.57 ملياري دولار حتى نهاية حزيران مقابل 1.8 مليار دولار في الفترة نفسها من 2021، ومع بلوغ عجز الميزان التجاري أكثر من 8 مليارات دولار، هذا يعني أن لبنان يحتاج الى أكثر من 10 مليارات دولار لسد هذه الفجوة. وهو أمر يستحيل تأمينه في ظل ذوبان الاحتياطيات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان والتي كسرت عتبة الـ10 مليارات دولار نزولاً (9.7 مليارات دولار) في نهاية آب الماضي.

وكانت هذه الاحتياطيات انخفضت بواقع 3.1 مليارات دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي من 12.8 ملياراً في نهاية 2021، وبـ4.8 مليارات دولار أو 33.2 في المئة مما كانت عليه في نهاية آب 2021 (14.7 مليار دولار).

وأمام هذا الواقع الأليم مع الانخفاض غير المسبوق للاحتياطيات بالعملات، يمكن تفسير اجراء مصرف لبنان خفض نسبة الدولارات التي يؤمّنها من تكلفة استيراد البنزين عبر منصّة “صيرفة”، إلى 20 في المئة، ما سيفرض على مستوردي هذه المادّة تأمين 80 في المئة المتبقية من السوق الموازية. وهو ما سيتسبب بالمزيد من “اشتعال” الدولار مقابل الليرة ويجعل الأيام المقبلة أكثر قتامة مما هي عليه اليوم.

شارك المقال