إقتحام المصارف تابع… تحصيل حق أم بروباغندا؟ 

تالا الحريري

مسلسل اقتحام المصارف تابع أجزاءه امس، بحيث وصل العدد إلى 9 في مناطق عدة، وسط حالة إحباط تسود بين المواطنين بسبب الانهيار المالي المتفاقم من دون نهاية تلوح في الأفق. وتكررت المشهدية نفسها لإقتحام سالي حافظ البنك منذ أيام، اذ هدد المقتحمون الجدد بسكب البنزين وحملوا السلاح كتهديد للحصول على أموالهم المحتجزة.

فقد شهد البلد منذ صباح امس سلسلة من الاقتحامات المتتالية بفارق بسيط من الوقت في كل من: بنك “لبنان والمهجر” في الطريق الجديدة، بنك “لبنان والخليج” في الرملة البيضاء، “بلوم بنك” في الحمراء، “البنك اللبناني الفرنسي” على دوار الكفاءات، بنك “بيبلوس” في الغازية، وبنك “ميد” في شحيم. أمّا عن إقتحام بنك “عودة” في الشياح فأكّد مصدر في البنك أنّ فرع المصرف في المنطقة مقفل أساساً.

مسلسل الاقتحامات هذه تسبب بخضة أمنية، استدعت من وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي الدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي لبحث الاجراءات الأمنية في ضوء مستجدات المصارف.

وتوجه إلى المودعين بالقول: “إنّ حقوقكم لا يمكن أن تستردوها بهذه الطريقة لأنّها تدهم النظام المصرفي وتؤدي إلى خسارة بقية المودعين لحقوقهم”. وحذر من أن “هناك جهات تدفع الناس إلى تحركات ضدّ المصارف ولا يمكنني الإفصاح عن التفاصيل لسرية التحقيق ونتعامل بحكمة مع الموضوع”، معتبراً أن “ما نشهده اليوم ظاهرة غير صحيّة ونحن مع المودعين ومن مصلحتهم أن يكون هناك نظام في البلد والاجراءات التي سنتخذها وفقاً للقانون وإشارات النيابات العامة”.

فيما أعلنت جمعية المصارف عن إقفال المصارف لـ3 أيام اعتباراً من يوم الاثنين المقبل، لكن جمعية المودعين رأت أنّ إضراب المصارف حتى الأربعاء ليس الحلّ، لأنّ عشرات عمليات الاقتحام قد تحصل الخميس، وأعداداً أكبر من المودعين ستتوجّه نحو السلاح لسحب الودائع. وحمّل رئيس جمعية المودعين حسن مغنية، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي شخصياً مسؤولية ما يجري.

جعفيل: جرم السرقة غير متوافر

من الناحية القانونية، أوضح المحامي محمد زياد جعفيل لـ”لبنان الكبير” أنّه “يحق محاسبة المقتحم في حال حيازة سلاح أو في حال التهديد، بجنحة من ستة أشهر الى ثلاث سنوات مع غرامة مالية ومصادرة السلاح. واذا كان لا يمتلك رخصة للسلاح فهذا يعتبر جرماً آخر. أمّا جرم السرقة فلا يتوافر في هذه الحالة، لا سيما أنه يستعيد وديعته، ويتم توقيع إيصال سحب”، مشيراً الى أنّ السلاح إذا كان غير حقيقي “فلا يمكن إثبات شيء عليه أو محاسبته على هذا الموضوع”.

فرّان: لا آليات واضحة لارجاع الأموال للمودعين

اما من الناحية الاقتصادية، فرأى الخبير الاقتصادي عماد فرّان أنّ “الكلام الشعبوي هو الطاغي على الشارع في موضوع استرداد الودائع اليوم، الجميع يتكلّم عن تسليم المودعين ودائعهم من دون طرح آليات واضحة وحقيقية وخطة تبدأ من الألف إلى الياء تشرح لنا كيفية إرجاع الأموال لهم”.

وقال فران لـ”لبنان الكبير”: “كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن الصندوق السيادي، بداية نقول هل التشريعات والقوانين التي يجب أن تكون موجودة لهذا الصندوق السيادي وُضعت؟ هي لم توضع. ثانياً، الصناديق السيادية تهدف إلى تخزين الأموال وتقوم بهذه الأموال بالاستثمارات ومن هذه الاستثمارات نعيد الى الناس أرباح الأموال مع الأموال. اليوم الوضع مختلف في لبنان فالودائع لم تعد موجودة. يجب أن نحوّل هذه الودائع إلى شهادات استثمارية توضع ضمن شروط معينة لفترة زمنية معينة. ففي ظل غياب خطة واضحة وحقيقية كيف لنا أن نرد للناس أموالها؟ ما الهدف من هذا الصندوق إذاً وهو مجرد منح شهادات معينة؟ لنقل اننا وجدنا حلاً لموضوع الودائع لفترة زمنية معينة، وبهذه الطريقة نقوم بتأجيل المشكلة فقط، ولا نحلها ولا قيمة لهذا التأجيل ولا يترتب عليه حلول”.

أضاف: “هناك كلام كثير عن تمويل هذا الصندوق، هل يحاولون البحث عن هبات له؟ بالطبع هذا الموضوع غير مقنع، فمن غير الممكن أن هكذا صناديق سيادية تُموّل بالهبات لأن الهبات عادة حينما تُقدم من دولة الى دولة أو من جمعية الى دولة، تكون ضمن شروط معينة. رأينا سابقاً عندما كانت تقدّم الهبات إلى أين وصلت بنا الأمور عندما لم تُستخدم وفق الشروط المطلوبة”.

وأكد أنّه “إذا كان الهدف تغذية الصندوق من الديون والقروض فهذا يتناقض مع المبدأ والجوهر الأساس من إنشاء الصناديق السيادية”، مشيراً الى أن “هناك الكثير من الكلام عن إمكان أن تكون هناك شراكات بين كل من القطاع العام والخاص وعلى أساسها يكون هناك نوع جديد من الاستثمارات الجديدة في البلد، ويكون ضمن شروط هذه الاستثمارات أن تعود أرباحها الى تغطية جزء من هذا الصندوق. حتى الآن لا تزال التشريعات الموضوعة غير قابلة للتنفيذ، يعني هناك اليوم الكثير من القطاعات في لبنان غير منتجة ولم تلجأ الدولة حتى الآن إلى تحويلها إلى استثمارات ناجحة من خلال إشراك القطاع الخاص ضمن شروط معينة تضمن تحسين الخدمات، وفي الوقت نفسه تضمن أن لا تحدث كوارث للقطاع الخاص شبيهة بدول ثانية والتي صنفت ضمن الأنظمة المالية الفاشلة”.

وذكر فرّان بأنّ “لبنان حتى الآن ليس بيئة مغرية للاستثمار ضمن قطاع الشركات العالمية وخصوصاً اليوم في ظل غياب البنى التحتية في البلد. جميعنا ندرك أنّ لبنان صنّف في السنوات الأخيرة من أكثر الدول فساداً في العالم. هل ستكون هذه المناقصات شفافة يمكننا من خلالها أن نستفيد فعلاً من المال الذي سيأتي؟ أو أنّ هذه الشركات ستكون فقط أقنعة لمافيات كبرى التي من الممكن تكون داخلية وخارجية هدفها تدمير إقتصاد هذا البلد وإستغلال خيراته؟”.

ولفت الى أن “لبنان دولة تعاني من أزمة سياسية قبل أن تكون مالية أو اقتصادية كما أنّه يعاني من أزمة ادارية. وقد تحوّل الفساد الإداري إلى أزمة متنوعة ومن الطبيعي أن يحدث ما حدث. حتى الآن تناقش الأزمة الاقتصادية والمالية مناقشة سطحية ولم يدخل أحد في النقاش العميق. لذلك كان دائماً البحث في القشور وفي الحلول، التي كانت لها آثار سريعة وتحدث نوعاً من الخضة للسوق حتى تعيده إلى الإطار الصحيح وتحد من الانهيار. كلها كانت تتم عن طريق التكتيك وليس الاستراتيجية وكلّها أثبتت فشلها على مدار 3 سنوات”.

وشدد فران على أن “خطة التعافي الاقتصادي والمالي لم تسلك إلى حد الآن، ولم توضع لها أسس حقيقية. ومشروع الموازنة المقدم لا يحتوي أرقاماً دقيقة في كيفية توزيع الخسائر بطريقة متساوية على الأقل. اليوم نحمّل الطبقات الفقيرة هذه الخسائر في لبنان ومزاريب الهدر مفتوحة والنظام المصرفي من دون أي ضابط”.

شارك المقال