شدّ الحبال يتصاعد والدولار يحلق غير آبه

هدى علاء الدين

لم يُخيّب شهر أيلول الظنون والتوقعات المليئة بالفوضى واللااستقرار وغياب القرار السياسي الفاعل والقادر على لجم التحديات التي كثرت عناوينها، بل جاء على قدر هذه التوقعات وربما أكثر في أسبوع حافل بالتوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستتصاعد وتيرتها كلما اقترب لبنان من تاريخ 31 تشرين الأول المقبل، موعد انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية المنكوبة.

لعبة شدّ الحبال بين المصارف والمودعين التي لن تنتهي فصولها قريباً، اتخذت يوم الجمعة الماضي مساراً جديداً بعد سلسلة هجمات من المودعين على عدد لا يستهان به من المصارف في مختلف المناطق اللبنانية من أجل الحصول على ودائعهم الدولارية تحت تهديد السلاح، الأمر الذي دفع القطاع المصرفي إلى إعلان الإغلاق التام مطلع الأسبوع المقبل لمدة ثلاثة أيام، قد تتجدد وفقاً لما سيحمله هذا الأسبوع من أحداث ومعطيات، وسط تعهدات أمنية وقضائية بحماية المصارف ومعاقبة الفاعلين، وتصعيد من رابطة المودعين التي اعتبرت أن ما جرى هو بمثابة انتفاضة تأتي في إطار ردة الفعل الطبيعية والمحقة.

في المقابل، لا يزال الدولار يضرب أرقاماً قياسية في السوق السوداء الذي بات قاب قوسين من الوصول إلى حاجز الـ 40000 ليرة، على وقع رفع الدعم كاملاً عن البنزين وتحريره من منصة “صيرفة” ليصبح سعر الصفيحة بالدولار أو وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء. ومع احتدام مناقشة بنود الموازنة العامة التي فشل مجلس النواب في إقرارها بسبب الألغام النقدية والمالية التي تحتويها، والمسار اللاإصلاحي الذي تسير عليه والقائم على زيادة الايرادات بطريقة مجحفة على حساب المواطن من أجل تغطية نفقاتها وإغفال تنفيذ الاصلاحات التي من شأنها أن تكون عاملاً رئيساً لمساندة الاقتصاد واستعادة الثقة وفتح أبواب الاستثمارات من جديد، يقف مصرف لبنان عاجزاً عن التدخل كما في السابق، بحيث لم تعد لديه القدرة على لجم السوق أو اتخاذ أي قرار جديد يُخسره المزيد من دولاراته المتبقية. وبالتالي، ستفقد العملة الأجنبية سعرها الذي كان مصطنعاً على مدى شهور، لتضرب بسعرها الحقيقي والطبيعي قيمة الرواتب والأجور وقدرة الموطن الشرائية المعدومة أصلاً.

وبحسب مصادر “لبنان الكبير”، فإن موجة اقتحام المودعين للمصارف قد تتخذ فصولاً جديدة في الأيام القليلة المقبلة، بسبب التفلت الحاصل وعدم العمل بعد كل هذه الأشهر على إيجاد حل يرضي المودعين ويطمئنهم الى ودائعهم المحتجزة، خصوصاً أن خطة التعافي الاقتصادية والمالية التي وضعتها الحكومة أسهمت بصورة مباشرة في زيادة منسوب الخوف لدى المودعين من خسارة أموالهم كافة، الأمر الذي شرّع عمليات المداهمة للمصارف واعتماد أسلوب التهديد وحجز الرهائن كفرصة أخيرة للحصول على الودائع. وحمّلت المصادر مسؤولية ما آلت إليه الأمور لمن يرفض تنفيذ القرارات الحاسمة، ومن عرقل إقرار قانون “الكابيتال كونترول” ليس اليوم إنما منذ بداية تصاعد الأزمة، معتبرة أن الإخفاق في إعادة الثقة بين القطاع المصرفي والمودع هو أمر مقصود بهدف القضاء على القطاع المصرفي. وأكدت أن عملية إعادة هيكلة القطاع هي خطوة ضرورية لمصلحته ولا بدّ من الإسراع في تطبيقها كي لا يفقد لبنان ركيزة أساسية من الركائز التي يحتاجها في المستقبل من أجل بناء اقتصاده من جديد.

وعن مسار الدولار التصاعدي، أشارت المصادر إلى أن الدولار أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى بلا أي سقف، فكل العوامل التي عمدت إلى تهدئته منذ فترة الانتخابات مروراً بتعاميم مصرف لبنان وقراراته وصولاً إلى المليارات التي ضخها المغتربون هذا الصيف، انتهى مفعولها بصورة نهائية، متخوفة من أن الشلل السياسي الذي يترافق مع شلل اقتصادي على المستويات كافة سيخلق مرحلة جديدة مرعبة في سعر الصرف في السوق الموازية.

شارك المقال