هل يمكن حصول عمليات شبيهة باقتحام “بنك أوف أميركا”؟ 

زياد سامي عيتاني

هل ما شهده عدد من المصارف يوم الجمعة من خمس هجمات على فروع لها في مناطق مختلفة من مودعين للحصول على أموالهم بالقوة، يمكن إدراجه في خانة ما يمكن أن يطلق عليه “ثورة المودعين”؟ أم أن ما حصل لا يعدو كونه أعمالاً فردية، غير منظمة، ولا تقف خلفها جهة و/أو جهات محركة، بحيث يمكن إعتبارها مجرد “سلوك فردي”؟

أياً تكن خلفيات ما حصل، إلا أنه لا يمكن التغافل عن وجع المودعين، الذي بدأ يعبّر عنه بغضب شعبي في وجه المصارف، من جراء الانهيار الحاد والمتسارع للمالية العامة والنقد الوطني، وإنعكاساتهما المأساوية على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية، في ظل سوداوية المشهد السياسي، الذي ينذر بمزيد من الانهيارات على الصعد كافة.

وما حصل يوم الجمعة من هجمات على المصارف، أعاد بالذاكرة الى أذهان جيل السبعينيات، عملية علي شعيب الذي إقتحم سنة 1973 مع ثلاثة شبان “بنك أوف أميركا” في شارع المصارف في منطقة رياض الصلح وسط بيروت، والذي ما لبث أن تحول إلى رمز للنضال الوطني والقومي، مما دفع الشاعر عباس بيضون الى كتابة قصيدة “يا علي” التي غناها الفنان مارسيل خليفة. مع ضرورة الاشارة إلى الفارق الجوهري في الأسباب بين عملية “بنك أوف اميركا” وعمليات إقتحام المودعين للمصارف، بهدف تحصيل ودائعهم المحجوبة عنهم.

فعملية “بنك أوف أميركا” الذي كان بطلها علي شعيب، كانت سياسية بإمتياز، هدفها ضرب المصالح الأميركية في حينه، تزامناً مع حرب الـ 73 بين مصر وسوريا من جهة والعدو الاسرائيلي من جهة أخرى، بحيث هُزمت إسرائيل في البداية على الجبهتين المصرية والسورية، إلى أن تمكن الأميركيون من تعويض الجيش الاسرائيلي بعضاً مما خسره، من خلال جسر جوي مكّن الاسرائيليين من تحقيق ما عرف وقتها بثغر “الدفرسوار”…

وفي ما يلي تفاصيل عملية “بنك أوف أميركا”:

في 18 تشرين الأول 1973، إبان “حرب تشرين”، إقتحم أربعة شبان لبنانيين بقيادة علي شعيب مبنى “بنك الصناعة والعمل” في شارع المصارف وسط بيروت، والذي يضم عدداً من البنوك العالمية ومن بينها “بنك أوف أميركا”. وضمت المجموعة إضافة إلى شعيب: عادل بو عاصي، جهاد أسعد وعامر فروخ.

كانت العملية تهدف إلى ضرب المصالح الأميركية عبر دفع 10 ملايين دولار لمصلحة المجهود الحربي السوري والمصري والفلسطيني، والطلب من الحكومة اللبنانية الإفراج عن جميع الفدائيين المعتقلين لأسباب سياسية، وإطلاق عدد من المعتقلين بسبب انتمائهم إلى “الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية” وترحيلهم إلى الجزائر أو اليمن.

وأقفل الشبان الأربعة الأبواب، وجمعوا الموظفين كرهائن في الطابق العلوي من المبنى، ووضعوا متفجرات على باب المدخل الرئيس وعلى الشبابيك، ثم طلبوا من أكبر الموظفين في البنك الاتصال بالسفارة الأميركية، وإبلاغها أن العملية هي رد على دعم أميركا لاسرائيل بالسلاح والذخيرة.

وطلبت المجموعة من السفير الجزائري في لبنان آنذاك، محمد يزيد، أن يكون وسيطاً، بحيث كانت تريد اللجوء إلى الجزائر بعد إنتهاء العملية.

وعلى الفور حاصرت الفرقة 16 مبنى البنك، وأعلنت الحكومة وقتها رفضها المطلق لمطالب المجموعة المسلحة، التي هددت بقتل عدد من الرهائن ضمن مهلة محددة في حال عدم تلبية مطالبها. إلا أن هذه المهلة تأجلت بسبب المفاوضات بين المجموعة المقتحمة والسلطات اللبنانية ممثلة بوزير الداخلية آنذاك، بهيج تقي الدين، والسفير الجزائري، إضافة إلى السفير الأميركي ويليام بوفوم الذي كان يرسل البرقيات إلى واشنطن لنقل تطورات الموقف، خصوصاً أن الأميركي جون كرافورد ماكسويل، كان بين الرهائن.

كما تدخل قادة فلسطينيون، وقادة لبنانيون للتوسط بين المجموعة المسلحة والحكومة اللبنانية، وبعد مفاوضات إستمرت حتى يوم التاسع عشر من تشرين الأول، وافق قائد المجموعة على إطلاق الرهائن وتسليم نفسه مقابل إذاعة بيان بمطالبه التي إنحصرت أولاً بإجبار الولايات المتحدة على تقديم مبالغ مالية لسوريا ومصر كدعم للمجهود الحربي، مقابل الدعم الذي قدمته لاسرائيل.

أبلغ الوسطاء علي شعيب بموافقة الحكومة على تبادل إطلاق الرهائن وإسعاف جريحين من المجموعة المسلحة هما عادل أبي عاصي وعامر فروخ.

وكان من المفترض أن يسلم علي شعيب وجهاد أسعد نفسيهما بعد ذلك، على أن يخرجا من تلقاء نفسيهما الى الخارج بعد الإفراج عن الرهائن جميعاً.

لكن، ما جرى بعد ذلك، فاجأ الوسطاء والرهائن والمجموعة الفدائية (!) فعند خروج آخر رهينة إقتحمت قوة مشتركة من المغاوير في الجيش وقوة أخرى من الفرقة 16 في قوى الأمن الداخلي المبنى وأسرت علي شعيب وجهاد أسعد، وقام الضباط المشرفون على عملية الاقتحام بتصفيتهما!، ليعلن الجيش بعدها مقتل أفراد العصابة، كما قتل عن طريق الخطأ مدنيان لبنانيان ومواطن أميركي.

وقيل يومها، ان عملية الخداع تمت بضعوط أميركية، بحيث كان السفير الأميركي والملحق العسكري في السفارة، يتابعان ميدانياً من مكان قريب من الحدث مجرياته، بالتنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني، من دون إعلام الوسطاء الذين كانوا يتولون التفاوض، حقيقة ما كانوا يخططون له من إقتحام للمصرف!.

بالتأكيد ظروف عملية “بنك أوف أميركا”، تختلف عن دوافع إقتحام المودعين للمصارف، التي لا تزال فردية وغير إحترافية، لكن مع تسارع الإنهيار، ثمة خوف كبير من فوضى عارمة وتفلت أمني، مما قد يدفع بعض الجهات إلى توظيف وجع الناس واستثماره، من خلال إطلاق مجموعات منظمة، للقيام بعمليات مركزة ضد المصارف، تكون بمستوى عملية “بنك أوف أميركا” في السبعينيات، مع الأخذ في الإعتبار، الخطط والأساليب والأسلحة الحديثة والمتطورة، للقيام بمثل هذا النوع من العمليات.

شارك المقال