“الصندوق” للبنان: كل الاصلاحات أو لا اتفاق

المحرر الاقتصادي

كانت بعثة صندوق النقد الدولي شديدة الوضوح في رسائلها التي أعلنت عنها عقب انتهاء مهمتها في بيروت. إذ قالت بلا مواربة وبصريح العبارة ان لا اتفاق نهائياً بين الصندوق ولبنان طالما لم تنجَز الاصلاحات المطلوبة منه، نافية بصورة قاطعة ما تردد عن تساهل الصندوق في عدد الاصلاحات المطلوب تنفيذها، ومبقيةً الباب مفتوحاً أمام تمسك الصندوق بالانخراط مع السلطات في لبنان لدفع أجندة الإصلاح.

وهذا يعني أن فرص التوصل الى اتفاق نهائي تتقلص يوماً بعد يوم في ظل التلكؤ في تمرير القوانين والاصلاحات المطلوبة، ومع تشتيت الانتباه عن الهم المعيشي والاجتماعي والاقتصادي في ظل الاقتراب من الانتخابات الرئاسية.

وقد تقاطع موقف الصندوق الذي عبّر عنه في بيان في ختام زيارة بعثته الى بيروت برئاسة إرنستو راميريز ريغو، مع إصدار جمعية مصارف لبنان بياناً أعلنت فيه الاستمرار في الاقفال بلا تاريخ “في الوقت الحاضر خاصة في ظل غياب أي إجراءات أو حتى تطمينات من الدولة والجهات الأمنية كافة بهدف تأمين مناخ آمن للعمل”.

وكانت بعثة الصندوق زارت لبنان يوم الاثنين ولمدة ثلاثة أيام والتقت المسؤولين المعنيين، وناقشت معهم التطورات الاقتصادية الأخيرة والتقدم المحرز في تنفيذ الاجراءات المتفق عليها سابقاً بموجب اتفاقية مستوى الموظفين في 7 نيسان الماضي للحصول على تسهيل صندوق ممتد لمدة أربع سنوات.

وفي ختام الزيارة، أصدر الصندوق بياناً أعلن فيه أن تأخير تنفيذ هذه الاصلاحات لا يؤدي إلا إلى زيادة التكاليف على الدولة وسكانها، وأنه “يجب استكمال الاجراءات المسبقة لمجلس صندوق النقد الدولي للنظر في طلب برنامج مالي مع لبنان”، مشدداً على وجوب “الاعتراف بالخسائر الكبيرة في القطاع المصرفي ومعالجتها مقدّماً، مع احترام التسلسل الهرمي للمطالبات. ويجب حماية صغار المودعين بصورة كاملة (نص الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين في الصندوق على حماية الغالبية العظمى من حسابات الودائع)؛ ويجب أن يكون اللجوء إلى الموارد العامة – الأصول المملوكة لجميع اللبنانيين، سواء بحساب مصرفي أو بدونه – محدوداً”.

وفي نهاية المهمة، أدلى راميريز ريغو ببيان قال فيه إن الاقتصاد اللبناني “لا يزال يعاني من الركود الشديد في ظل استمرار حالة الجمود بشأن الاصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها مع ارتفاع حالة عدم اليقين”. وأوضح، بحسب بيان الصندوق، أن إجمالي الناتج المحلي انكمش بنسبة تزيد عن 40 في المئة منذ العام 2018، ولا يزال التضخم في ثلاثة أرقام، واحتياطيات العملات الأجنبية آخذة في الانخفاض، وسعر الصرف الموازي وصل إلى 38 ألف ليرة لكل دولار. أضاف أنه وسط انهيار الإيرادات والإنفاق المكبوت بصورة كبيرة، فشلت مؤسسات القطاع العام، وانقطعت الخدمات الأساسية للسكان بشكل كبير. في حين أن البطالة والفقر في معدلات عالية تاريخياً.

وانتقد راميريز ريغو التأخر في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من لبنان للانتقال الى المرحلة الثانية والأخيرة لتوقيع اتفاق نهائي يحصل لبنان بموجبه على 3 مليارات دولار لمدة أربع سنوات. وقال إنه “على الرغم من الحاجة الملحة الى اتخاذ إجراءات لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة في لبنان، فإن التقدم في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها بموجب اتفاقية نيسان لا يزال بطيئاً للغاية”.

وعدّد غالبية الاجراءات السابقة التي لم تنفذ، وينشرها “لبنان الكبير” في ترجمة غير رسمية:

  • موازنة العام 2022 لم يوافق عليها مجلس النواب بعد. يعني التأخير الطويل في الموافقة عليه أنه لأغراض الاقتصاد الكلي، يجب أن يتحول التركيز الآن إلى إعداد موازنة 2023 ذات الصدقية والموافقة عليها. يجب أن يستند هذا إلى افتراضات واقعية للاقتصاد الكلي، مع التدابير اللازمة لزيادة الايرادات، بما في ذلك استخدام سعر صرف واقعي (أي سعر منصة صيرفة الذي يجب أن يصبح سعر السوق مع توحيد سعر الصرف) لجميع الأغراض الضريبية. وينبغي أن يسمح ذلك بزيادة كبيرة في الإنفاق الاجتماعي والاستثماري والتكيف مع إنفاق القطاع العام لإعادة بدء الأداء الأساسي للإدارة العامة في وقت تختفي فيه الخدمات العامة مع تأثير ملحوظ على تحصيل الإيرادات.

  • يتسبب وجود أسعار صرف متعددة بحدوث تشوهات كبيرة في النشاط الاقتصادي، ويقوّض عمليات القطاع العام، ويخلق فرصاً للفساد والسعي وراء الريع، مما يؤدي إلى ضغوط مفرطة على احتياطيات العملات الأجنبية في البنك المركزي. إن اعتماد قانون ضوابط رأس المال وحدود سحب الودائع الذي تم تقديمه إلى مجلس النواب في آذار أمر بالغ الأهمية لمعالجة هذه القضايا وتقليل الضغوط على احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية. في السياق الحالي، ثبت أن التدخل في سوق أسعار الصرف لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف غير فعال في غياب الاصلاحات المطلوبة بشدة.

  • في حين تضمن إصلاح قانون السرية المصرفية الذي أقره مجلس النواب في تموز بعض الخطوات الإيجابية، إلا أنه لم يرق إلى التغييرات اللازمة لجعله يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية. ترحب البعثة بمراجعة مجلس النواب بعض أوجه القصور الرئيسة هذه، والتي تعتبر أساسية لمكافحة الفساد، وإزالة المعوقات التي تحول دون الإشراف الفاعل على القطاع المصرفي وإعادة الهيكلة، وإدارة الضرائب، وكذلك التحقيق في الجرائم المالية، واستعادة الأصول المختلسة.

  • يجب تنفيذ استراتيجية إعادة تأهيل القطاع المالي، التي وافق عليها مجلس الوزراء، للسماح لنظام مصرفي أكثر صحة بالعمل بصورة طبيعية مرة أخرى، وجذب الودائع ودعم النشاط الاقتصادي. يجب الاعتراف بالخسائر الكبيرة في القطاع ومعالجتها مقدماً، مع احترام التسلسل الهرمي للمطالبات. يجب حماية صغار المودعين بصورة كاملة (نصت اتفاقية مستوى الخدمة على حماية الغالبية العظمى من حسابات الودائع)؛ واللجوء إلى الموارد العامة – الأصول المملوكة لجميع اللبنانيين، سواء بحساب مصرفي أو بدونه – يجب أن يكون محدوداً.

واعتبر البيان أن “هذه وغيرها من الاصلاحات التي تم الاتفاق عليها في اتفاق نيسان تعتبر حاسمة لبدء تعافي الاقتصاد اللبناني، وأن تأخير تنفيذها لا يؤدي إلا إلى زيادة التكاليف على الدولة وسكانها”. وشدد على أنه “من الضروري أيضاً استكمال هذه الاجراءات وغيرها من الاجراءات السابقة لمجلس إدارة صندوق النقد الدولي للنظر في طلب برنامج مالي مع لبنان”. وأكد أخيراً استمرار انخراطه لدفع أجندة الإصلاح.

شارك المقال