موازنة “مشي حالك” صورية لا قيمة لها

هدى علاء الدين

على وقع تظاهرات العسكريين المتقاعدين، عقد مجلس النواب أمس جلسة نهائية لمناقشة الموازنة العامة صوّت في نهايتها على إقرارها، بحيث نالت 63 صوتاً مقابل 37 صوتاً معارضاً، في حين امتنع 6 نواب عن التصويت. ويعدّ أبرز ما تضمنته موازنة الفصل الأخير من العام زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين بمعدّل ضعفين على الراتب الأساس، على أن لا تقل هذه الزيادة عن خمسة ملايين ليرة ولا تزيد عن 12 مليون ليرة وستكون لمدة ثلاثة أشهر فقط. المجلس النيابي الذي نأى بنفسه عن تحديد الدولار الجمركي، رمى كرة النار مجدداً في ملعب الحكومة التي كشف رئيسها عن احتسابه على سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة. وتضمنت موازنة الحكومة غير المقنعة شكلاً ومضموناً، نفقات بقيمة 40873 ألف مليار ليرة وإيرادات بحوالي 29986 ألف مليار ليرة، لتبلغ قيمة العجز 10887 ألف مليار ليرة، أي ما يوازي 26.6 في المئة من قيمة النفقات انخفاضاً من 40 في المئة.

وفي حديث مع موقع “لبنان الكبير” رأى الأستاذ الجامعي والاستشاري في الشؤون المالية والإدارية مروان القطب، أنه من حيث الشكل يمكن القول انها موازنة “مشي حالك”، في ظل مطالبات مستمرة من صندوق النقد الدولي بضرورة إقرارها، معتبراً أنه كان من الأجدى عدم إضاعة الوقت بموازنة العام 2022 وإقرارها في توقيت لا ينفع، بل التركيز على وضع موازنة العام 2023. فالموازنة تُعرّف على أنها حساب تقديري لسنة قادمة يتم إعدادها قبل بدء السنة المالية، وبموجب الدستور اللبناني يقتضي إعدادها بعقد تشرين الأول من السنة التي تسبق سنة الموازنة. وعليه، فما حصل بالأمس يأتي بعد مرور 3 فصول على موازنة العام 2022، ليكون إقرارها من أجل فصل وحيد متبق بصورة سريعة وشكلية بلا أي قيمة فعلية.

وبحسب قطب، هناك مشكلة في الموازنة تتمثل في عدم وضوح الرؤية الاقتصادية والمالية والنقدية التي تبنتها الحكومة لدى إعدادها، متسائلاً على أساس أي سعر صرف تم احتسابها خصوصاً مع وجود تعددية بسعر الصرف وصل في السوق الموازية إلى حدود الـ 39 ألف ليرة؟ هذا إضافة إلى حالة التخبط في ما يتعلق بموضوع رواتب القضاة والقطاع العام ودعم المؤسسات كـ “أوجيرو” ومؤسسة “كهرباء لبنان”، إلى جانب الضبابية في سعر صرف الدولار بالنسبة الى الإيرادات خصوصاً الدولار الضريبي والدولار الجمركي في ظل اعتبار البرلمان أن هذه المسؤولية ليست من اختصاصه بل تقع على عاتق الحكومة، مبدياً استغرابه من تهرب المجلس النيابي الذي يُعتبر سيد نفسه من اتخاذ هكذا قرار يؤثر على تحديد أرقام الموازنة العامة.

وعن غياب الرؤية الواضحة للحلول، لفت قطب إلى مسألة إقرار مجلس النواب زيادة ضعفين على رواتب الموظفين وما إذا كانت القيمة المترتبة عن ذلك من ضمن النفقات أم لا، الأمر الذي سيضخم الأرقام الواردة في الموازنة.

وأكّد قطب أن الموازنة بشكلها الحالي وفي ظل الظروف الراهنة لا قيمة لها ولن تحل أي أزمة ولا يمكن اعتبارها كضابط للإنفاق بل فقط موازنة صورية غير قابلة للتطبيق، مشدداً على وجوب أن تستند الموازنات إلى رؤية اقتصادية واضحة لتحديد كيفية معالجة الخسائر في الاقتصاد اللبناني التي وصلت إلى عتبة الـ 74 مليار دولار وكيفية احتساب الدولار الضريبي والجمركي بصورة دقيقة كي يتم على أساسها تقويم الأرقام. فالحكومة اليوم تحاول أن تتقيد بمتطلبات صندوق النقد بطريقة شكلية خصوصاً وأن الصندوق حينما يطلب إقرار موازنة عامة يهدف من وراء ذلك إلى وضع خطة واضحة بالتزامن مع رقابة شاملة من المجلس النيابي على سير عمل الحكومة بعيداً عن القرارات التي لا توجد فائدة منها، الأمر الذي يدل على أن الحكومات التي تتولى وضع الموازنة تفتقد للرؤية وليست لديها توجهات واضحة ولا تزال حكومات متأزمة غير قادرة على اتخاذ قرار مالي سليم.

واعتبرت مجموعة “كلنا إرادة” أن كل الإجراءات والإصلاحات المالية والاقتصادية والضريبية المطلوبة لحماية المجتمع وبناء اقتصاد منتج ومستدام غير متوافرة في هذه الموازنة، مشيرة إلى أن الأسوأ من ذلك أن أرقامها لا تزال غير نهائيّة وتخضع للابتزاز السياسي الاعتباطي. وإذ أكّدت أن الصيغة الحالية من مشروع القانون هي مجرّد عمل محاسبي يخلو من أي رؤية استراتيجية للنهج المُفترض اتباعه على المدى المتوسط من أجل تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وإعادة التوازن إلى المالية العامة، وبالتالي إنعاش النمو الاقتصادي والاستثمار العام والخاص وإحقاق العدالة الاجتماعية، رأت أن إقرارها من دون قطع حساب مدقق من ديوان المحاسبة يعدّ استمرارية لنظام العفو والتهرب من المساءلة.

وبحسب المجموعة، فإن الموازنة مكبّلة بفعل غياب الإصلاحات الأساسية وتستنزف ثلاث نفقات رئيسة تُشكل معظم اعتمادات الموازنة وهي خدمة الدين والرواتب والأجور والتحويلات إلى مؤسسة “كهرباء لبنان”. وعليه، لا يمكن الإشارة إلى أي تحسن في المالية العامة أو إعادة تحديد أولويات الإنفاق في غياب الإصلاحات الأساسية التي تتناول إعادة هيكلة الدين العام والقطاع العام وقطاع الكهرباء، مع العلم أن غياب الإصلاح الجدي والحقيقي يُهدد بإعادة تجذير المشكلات البنيوية نفسها عند إعداد موازنة العام 2023، بدلاً من تكريس نهج إصلاحي وتقدمي.

شارك المقال