إقرار الموازنة ليس جسر عبور الى “الصندوق”

المحرر الاقتصادي

أما وقد مرّ قطوع إقرار موازنة العام 2022 في مجلس النواب على الرغم من الاعتراضات عليها، فإن هذا الأمر لن يكون بمثابة جسر لطرق باب المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على أمل إبرام اتفاق نهائي معه ليحصل لبنان بموجبه على 3 مليارات دولار لأربع سنوات.

فما ورد في الموازنة لا يرتقي أبداً إلى مطالب صندوق النقد الدولي، بحيث أنها في صيغتها النهائية الهزيلة لا تساهم في تحسين المالية العامة، ولا تعالج أغراض الاقتصاد الكلي (Macroeconomics) من حيث التغيرات التي يمكن أن تطرأ على الناتج الاقتصادي، ومعدلات التضخم، وأسعار الفائدة وأسعار الصرف، وميزان المدفوعات…

كما أنّ السقف الذي اعتمد بالنسبة الى الرسم الجمركي أو ما يعرف بالدولار الجمركي على أساس 15 ألف ليرة من أجل زيادة حجم الواردات، هو دون طموحات الصندوق لاعتبارات عدة أبرزها:

أولاً، ان الصندوق لا يعتبر أن سعر الصرف هذا “واقعي”. فهو يرى أن زيادة الواردات يجب أن تتم من خلال استخدام سعر صرف واقعي، وبنظره يمكن أن يكون عبر سعر منصة “صيرفة” الذي يجب أن يصبح سعر السوق مع توحيد سعر الصرف لـ”جميع” الأغراض الضريبية.

وهذا يعني أنه يجب العمل على وقف نمط أسعار الصرف المتعددة والاستنسابية في تحديد السعر لكل رسم أو ضريبة.

ثانياً، يعتبر الصندوق أن سعر الدولار الجمركي المقر لن يؤدي الى بلوغ حجم الايرادات المتوقعة في ظل الهامش الكبير بين هذا السعر وسعر الصرف في السوق الموازية الذي يبلغ اليوم حدود الـ38 ألف ليرة أي أكثر من ضعف ما تم إقراره.

وكانت رئاسة الحكومة وجهت كتاباً في 17 آب الماضي الى وزير المالية يوسف الخليل طلبت فيه تحديد سعر صرف الدولار الجمركي على مستوى 20 ألف ليرة، من أجل احتساب قيمة البضائع الواجب التصريح بها للجمارك، وذلك بعد استطلاع رأي مصرف لبنان والتنسيق معه بهذا الشأن.

فيما طالب نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي يرأس اللجنة المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، بأن يكون سعر الدولار الجمركي وفقاً لما هو متداول على منصة “صيرفة”.

يذكر أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان يسعى الى رفع السقف الذي تم إقراره الى 18 ألف ليرة باعتبار أنه حين أدخلت لجنة المال والموازنة تعديلاتها على مشروع الموازنة كان سعر الصرف في السوق الموازية في حدود الـ30 ألف ليرة للدولار الواحد في حين أنه تخطى الـ38 ألفاً عند إقرارها.

وكان الصندوق واضحاً حين قال في نيسان الماضي بعد ابرام اتفاق أولي على متسوى الموظفين مع لبنان، إن إقرار الموازنة خطوة أساسية على طريق تحسين المالية العامة وخفض الدين العام من خلال تدابير لتوليد الإيرادات والإصلاح الإداري بغية ضمان توزيع العبء الضريبي بصورة أكثر عدالة وشفافية. وأشار في حينه الى أن الموازنة تهدف الى تحقيق عجز أولي بنسبة 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي يدعمه تعديل في تقويم الواردات للأغراض الجمركية والضريبية بحيث يعتمد على سعر صرف موحد.

وهذا هو بيت القصيد، بلوغ سعر صرف موحد… فوجود أسعار صرف متعددة يتسبب بحدوث تشوهات كبيرة في النشاط الاقتصادي، ويقوّض عمليات القطاع العام، ويخلق فرصاً للفساد، مما يؤدي إلى ضغوط مفرطة على احتياطيات العملات الأجنبية في المصرف المركزي.

ويطالب الصندوق بتوحيد سعر الصرف كأحد التدابير الثمانية التي حض لبنان على تنفيذها في المرحلة الانتقالية الى الاتفاق النهائي، من خلال “قيام مصرف لبنان بتوحيد أسعار الصرف لمعاملات الحساب الجاري المصرح بها”. هو أمر بالغ الأهمية لـ”تعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة الصدقية وسلامة الوضع الخارجي، مع دعم ذلك بفرض ضوابط رسمية على رأس المال”.

تقول مصادر تابعت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إن ما يقصده الأخير من وجوب توحيد سعر الصرف هو أن يقوم لبنان بتنفيذ اصلاحات من شأنها أن تدفع الى توحيد السعر، بحيث أنها عملية قد تستغرق وقتاً وليست فورية.

وتشرح أن توحيد سعر الصرف يبدأ من احتساب جميع أرقام الموازنة على أساس سعر صرف واحد وهو سعر منصة “صيرفة”، إن لناحية الانفاق أو جباية الضرائب والرسوم أو احتساب الرواتب على هذا الأساس. وينسحب هذا الأمر بالتالي على السحوبات من المصارف وسداد القروض التي تتم عندها وفقاً لسعر منصة “صيرفة”، على أن يصار الى تصغير الهامش بين سعر “صيرفة” وسعر الصرف في السوق الموازية.

وقالت المصارف اياها إن إقرار الموازنة بالشكل الذي جرى عليه ليس سوى حل مجتز وتكرار لعملية شراء الوقت، معتبرة أن اتفاقاً نهائياً مع الصندوق بات بعيد المنال، حتى هذه اللحظة.

شارك المقال