هل قرر وزير المال وحده؟

محمد شمس الدين

أثار اعلان وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل عن اعتماد سعر صرف رسمي للدولار 15000 ليرة بدلاً عن 1500، جدلاً واسعاً في الأوساط اللبنانية، بل انه تسبب بحالة هلع لدى المواطنين، وتحديداً من يتوجب عليهم دفع قروض ومستحقات بالدولار. والمستغرب في قرار وزير المال أنه صدر عنه وحده، علماً أنه وفق العديد من الخبراء الاقتصاديين والقانونيين، فان قراراً كهذا يعتبر سيادياً، ويجب أن يحظى بتوافق واسع في البلد، وأن يكون مدروساً أيضاً، فمثل هذا القرار يصدر عن الحكومة مجتمعة، وعندها يتكلم باسمها وزير المال، كونه الوزير المعني، والحكومة لم تجتمع، ولم تبحث في تعديل سعر الصرف رسمياً، على الرغم من أن الأمر يخضع لنقاشات بين القوى السياسية. والحاجة إلى تعديل سعر الصرف الرسمي ضرورية، وهو خطوة إصلاحية مطلوبة تحديداً كونه يؤدي إلى توحيد السعر، ولكن لا يمكن أخذ القرار بطريقة اعتباطية، ولا أن تكون المسؤولية على عاتق وزير واحد، فقرار كهذا بحاجة الى دراسة مكثفة تأخذ في الاعتبار كل التبعات التي يمكن أن يتسبب بها.

في هذا السياق، علم “لبنان الكبير” أن مرجعية سياسية كبرى قرّعت وزير المال بسبب البيان الذي أصدره من دون إعلام أحد، لاسيما أن العلاقة بين الوزير والمرجعية السياسية تشوبها الخلافات، بسبب ما تعتبره المرجعية “تخبيصاً” من الوزير في ملفات عدة.

أما الخبير في المخاطر المصرفية محمد فحيلي فأوضح أن “بيان وزير المال هو وليد موازنة 2022، الذي أعطاه أحد بنودها صلاحيات استثنائية تخوّله، بعد التشاور مع حاكم مصرف لبنان، تعديل السعر الرسمي لصرف الدولار، المعتمد من وزارة المال، والذي أصبح اليوم 15000 ليرة، بدلاً من 1507 ليرات. هذه المادة الموجودة في مشروع الموازنة أثارت جدلاً عقيماً في أروقة مجلس النواب، وأخرجت من التداول ولكن يبدو أنه لم يتم إخراجها من الموازنة، وبالتالي يكون هذا التعديل دستورياً ووفق الأصول”. ولفت فحيلي الى أن “وزير المال حدد الأسباب الموجبة للتعديل في البيان الذي أصدره، وهو الوضع الاقتصادي، وأنا شخصياً أوافقه، فهناك قطاع خاص، يدفع الرواتب بالدولار الفريش، بينما يدفع الموظف ضريبة الدخل وفق سعر صرف 1500، وهذا وضع غير طبيعي بالنسبة الى ايرادات الدولة، ولا يجوز أن يكون القطاع الخاص والقطاع العام يتواجدان في الاقتصاد نفسه، والفرق بينهما عشرات الآلاف بالنسبة الى سعر الدولار المعتمد من كل جهة، فموظف القطاع العام لا يزال سعر الصرف يحتسب له وفق الـ 1500، وهذا يعني أنه غير قابل للاستدامة وساقط إقتصادياً”.

ورأى فحيلي أنه “بعد الدولرة المكثفة التي خضع لها القطاع الخاص، وذلك بسبب قدرته السريعة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، أصبح عليه واجب وطني وأخلاقي، أن يعطي بعض الدعم للقطاع العام”، مشيراً الى أن “الدولة اللبنانية اليوم لا يمكنها الاستدانة، لأنها ضربت صيتها بسبب التعثر غير المنظم، ولا يمكنها دخول الأسواق المالية العالمية، لذلك هي أمام خيارين لتمويل نفقاتها إما أن ترفع الضرائب على القطاع الخاص بالقيمة الحقيقية للنشاط الاقتصادي، يعني مثلاً إذا كان النشاط الاقتصادي هو عمل، والقيمة الحقيقية هي دولار فريش، فيجب أن تسدد الضريبة على الفريش. أما الخيار الثاني فهو أن تطبع عملة، من يتسبب بضغوط تضخمية غير صحية، من الصعب الخروج منها، لذلك أصبح من الضروري للقطاع الخاص أن يعطي دعماً للدولة لتستطيع تمويل الخدمات الأساسية المطلوبة منها، مثل الأمن والقضاء والرقابة وغيرها”.

أما عن تداعيات تعديل سعر الصرف الرسمي، فأكد فحيلي أن “هذا التعديل سيطال كلفة المعاملات الرسمية (الرسوم والضرائب التي تفرضها الدولة)، التي سيرتفع سعرها، وستنعكس على ارتفاع الأسعار، ولكن هذا الارتفاع برأيي هو الممر الإلزامي للانتظام الاقتصادي في لبنان”، معتبراً أن “من غير المقبول أن يكون هناك قطاع عام عاجز، وقطاع خاص مزدهر، هذا الارتفاع سيكون مقبولاً وسنتأقلم معه بسرعة، ويبقى أرحم بكثير من تداعيات طبع العملة”.

أما لجهة القروض بالدولار التي يتم سدادها اليوم وفق سعر 1500 ليرة، فقال فحيلي: “هناك تعميم وسيط رقم 568 من المصرف المركزي، الذي طلب من المصارف قبول سداد القروض الـRetail، مثل القروض الشخصية والسكنية، وفق سعر صرف 1507، وتعديل أحكام هذا التعميم يعود للمجلس المركزي لمصرف لبنان، صانع السياسات النقدية وليس لشخص حاكم مصرف لبنان”.

وتجدر الاشارة برأي فحيلي الى أن “المستهلك اليوم يدفع ثمن البضائع، وتحديداً غير الأساسية بالفريش دولار، بينما التاجر المستورد يدفع ضرائب ورسوماً على سعر صرف 1500 ليرة، وهذا ليس عدلاً، والدولة رفعت الأجور 3 أضعاف، ومن الأفضل أن يموّل هذا الرفع من ضرائب حقيقية تطال المتمكنين بدلاً من طبع العملة”.

 

شارك المقال