مافيا الطوابع… ويبقى الفساد سيد الدولة

محمد شمس الدين

بلد العجائب، وصف اخترع بالتأكيد من أجل لبنان، فما يحصل فيه لا تراه في أي بلد أخر، وتحديداً تجار الأزمات، الذين يتحولون إلى عصابات تنهش المواطنين، كالوحوش الكاسرة. فبعد مافيا المحروقات، مافيا الدواء، مافيا الخبز، والعديد من المافيات الأخرى في شتى القطاعات، نزلت الى الساحة مافيا الطوابع، فالدولة بسبب الأزمة التي تعيشها، ليست قادرة حتى على تأمين العدد الكافي من الطوابع المالية التي تلصق الزاماً في غالبية المعاملات الرسمية، مما تسبب بشح في هذه الطوابع، وأصبح هناك تجار لها، يسعرونها وفق أهوائهم الخاصة، علماً أن سعرها رسمياً من الدولة هو وفق دولار 1500 ليرة، وهؤلاء التجار يحققون أرباحاً طائلة، فسعر الطابع الواحد يتخطى 50 ضعفاً سعره الرسمي.

في هذا السياق، أشارت مصادر رقابية لموقع “لبنان الكبير” الى أن “هناك غياباً شبه تام للهيئات الرقابية في لبنان، في ظل التخبط الذي تعيشه الدولة، مما تسبب بفلتان وتسيب في مختلف الدوائر، بل ان الأمر نوعاً ما هو غض نظر، كون معاشات موظفي الدولة بالكاد تكفي مواصلاتهم، ولكن الأمر تخطى (الكوميسيون) البسيط الذي يحاول موظف ما أخذه للحصول على قوت يومه، بحيث أصبحت هناك عصابات رشاوى وفساد، رأت أن الفرصة سانحة لتحقيق أرباح طائلة، والوصول إلى الثراء الفاحش”.

الخبير والباحث في الحوكمة ومكافحة الفساد سعيد عيسى أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “هناك تقصداً لبقاء الأمور على ما هي عليه، فكان يمكن للدولة الاتجاه إلى استعمال الأختام، ولكن مافيا الطوابع متواطئة مع مسؤولين في الدولة، وهم مستفيدون منها. غالبية بلدان العالم اليوم استغنت عن المعاملات الورقية، واتجهت الى المكننة، وحتى الطابع أصبح إلكترونياً، أما في لبنان فهو مصدر رزق للعديد من المسؤولين في الدولة، لا يمكنهم القبول بالمكننة التي تحرمهم أرزاقهم، كلهم يريدون قطعتهم من الجبنة”.

ملف المكننة يدرس منذ زمن طويل في لبنان، ووضعت خطة شاملة من أجل إقراره، ولكن لسبب ما لا يبصر هذا الملف النور. وفي هذا السياق، أشار مصدر نيابي لـ “لبنان الكبير” الى أن “هناك تمييعاً لتحقيق المكننة، على الرغم من أن الخطة وضعت منذ زمن، وقد أثنت عليها الهيئات الدولية، والمنظمات الرقابية المدنية، ولكن هناك أطراف في الدولة، تشوه فكرة المكننة، وتغيّر فيها، بطريقة تستطيع إبقاء الفساد حتى لو أصبحت الدولة كلها ممكننة، فهم يبتدعون طرقاً لا تخطر في البال، كي تستمر الرشاوى، ويبقى الفساد سيد الدولة”.

لا يكفي المواطن اللبناني أنه يعاني مع مافيات المولدات، الدواء، المحروقات، الخبز، الغذاء، وغيرها الكثير من المافيات التي تنهش لحمه، بل أصبح اليوم أمام واقع جديد يفرضه عليه المسؤولون الفاسدون في الدولة، هو مافيا الطوابع، التي تخطت درجة الوقاحة، لدرجة أنها تخالف القوانين فعلياً أمام الأجهزة الأمنية، بينما الدولة التي يمكنها أن تطبق حلولاً بديلة، غائبة عن السمع، جزء منها بسبب الأزمات السياسية المستمرة، والجزء الآخر مستفيد من التفلت والفوضى ويحقق أرباحاً على حساب الشعب.

شارك المقال