“المالية” تطالب “الكهرباء” بالمتأخرات… أكثر من 47 مليار دولار

المحرر الاقتصادي

37 ألف مليار و72 ملياراً و 780 مليوناً و268 ألفاً و238 ليرة، أي ما يعادل حولي 25 مليار دولار، هي المستحقات المترتبة على مؤسسة كهرباء لبنان لصالح خزينة الدولة التي أحصتها وزارة المالية بين أعوام 1997 ونهاية العام 2020.

“المالية” بعثت بكتاب جوابي إلى مؤسسة كهرباء لبنان طلبت منها إفادتها عن الآلية لسداد تلك المستحقات من سلف الخزينة وتحويلات أخرى، والتي تؤكد مصادر مالية مطلعة على الملف أنها أكثر بكثير. فالتحويلات السنوية لدعم مؤسسة كهرباء لبنان، مضافاً إلى أرصدتها السنوية تكلفة خدمة المبالغ أي الفوائد استناداً إلى معدلات الفائدة المعتمدة على الدين العام في كل فترة من فترات الدعم، تظهر أنها بلغت حتى نهاية العام 2019 ما قيمته 47 مليار دولار. وفي الأشهر العشرة الأولى من العام 2020، بلغت تحويلات الخزينة إلى ” كهرباء لبنان” 739 مليون دولار.

كتاب وزارة المالية جاء بالتوازي مع توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم الرقم ٧٧٩٧ القاضي بإحالة مشروع قانون معجل إلى مجلس النواب يرمي إلى إقرار البطاقة النقدية وفتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها والبالغة تكلفتها ملياراً و235 مليون دولار، مع مفارقة أن وزارة المالية حددت أيضاً قيمة الاعتماد بالليرة أي ما يعادل 1871 مليار ليرة.

فهل يكون كتاب “المالية” إلى “كهرباء لبنان” في إطار البحث عن مصادر التمويل التي طلبت رئاسة الحكومة منها البحث عنها كبديل لما كان أعلنه رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب من امكان استعمال الاحتياطي الإلزامي؟ وهو الأمر الذي أعلنت الكتل النيابية رفضها المساس به، كون هذا الاحتياطي هو ملك للمودعين.

لقد نفض وزير المالية غازي وزني يده من مشروع البطاقة النقدية الذي أرسلته إليه رئاسة الحكومة مكتفياً بإصدار بيان مقتضب يعلن فيه “توقيع مشروع قانون معجّل معدّ من قبل رئاسة الحكومة ويرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد إضافي لتمويلها”. ويعني الاعتماد الإضافي أنه سيكون بالليرة، وهو ما أشار إليه تعديل وزارة المالية في تكلفة البطاقة. فهل سيعمد وزني إلى تعديل أرقام مشروع موازنة العام 2021 لإدراج تمويل البطاقة النقدية؟

بالعودة إلى الكتاب الموجه إلى مؤسسة كهرباء لبنان، فإن التوصيف القانوني للسلف التي تمنح إلى مؤسسة كهرباء لبنان، ليس في الحقيقة دقيقاً. فقبل العام 2005، كانت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان تُسجل كنفقات خزينة، بناءً على قرارات صادرة عن مجلس الوزراء. لكن بدءاً من العام 2005، تم إدراج هذه التحويلات في الموازنة كمخصصات مصنفة كقرض. وفي عام 2009، تم تعديل التصنيف ليصبح دعماً لمؤسسة الكهرباء. الأخيرة لا تعترف بكل هذه التوصيفات، وتعتبر هذا الدعم بمثابة مساهمة وكأنها ليس سلفة أو ديناً يُضاف إلى العجز في الخزينة العامة، وذلك من باب التذاكي على المؤسسات المالية الدولية وإخفاء واقع أن الجزء الأكبر من الدين العام يعود إلى عجز موازنة “كهرباء لبنان”.

قبل قرار شركة “سوناطراك” الجزائرية فسخ العقد الموقّع مع لبنان نهائياً والتوقّف عن تزويده بالفيول الذي يحتاجه لإنتاج الكهرباء، كانت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان تغطي مكونين:

– الأول مدفوعات خدمة الدين والتي تشمل رأس المال والفائدة.

– مستحقات موردي النفط (سوناطراك، وشركة النفط الكويتية) والتي كانت الجزء الأكبر من التحويلات الحكومية إلى مؤسسة كهرباء لبنان.

 

الإصلاح باب النهوض

في آذار من العام 2020، أعلن لبنان تخلفه عن سداد استحقاقاته من الديون السيادية. عوامل عديدة ساهمت في هذه الأزمة الاقتصادية والمالية، إنما قطاع الكهرباء في جوهرها، المسؤول عن نصف الدين العام. ومن هنا، فان إصلاح هذا القطاع هو مفتاح وضع لبنان واقتصاده على سكة النهوض مجدداً، وشرط أساسي في جميع مضامين الأوراق والمبادرات التي وضعت من أجل مساعدة لبنان، ومنها المبادرة الفرنسية. وتعتبر الهيئة الناظمة للقطاع التي نص على إنشائها قانون تنظيم الكهرباء الرقم 462 الصادر في أيلول من العام 2002 مفتاح هذا الإصلاح. وقد دفع عدم المبادرة إلى إنشائها القطاع الخاص إلى الإحجام عن الاستثمار في هذا القطاع. فالهيئة كانت، ولا تزال، تشكل الضمانة العملية للمستثمرين لجهة التزام الفرقاء المعنيين بمعايير الجدية والشفافية. سنوات أُهدرت من دون التمكن من زيادة القدرة الإنتاجية للكهرباء، وتحسين الجباية، ووقف الهدر الفني منه وغير الفني. ففي جردة سريعة على عمل وزارة الطاقة والمياه منذ تسلّم “التيار الوطني الحر” لها في العام 2009، تؤشر بوضوح على غياب الرؤية والتبصر والتخطيط الدقيق والشفافية لمشاريع تمس حياة المواطن وتؤثر مباشرة على الاقتصاد.. من الإصرار على مشاريع أجمع أهل الاختصاص على عدم جدواها، إلى عقد صفقات وتلزيمات بطرق ملتوية، وهدر للمال العام، إلى مخالفة القوانين والإصرار على الابتعاد عن الشفافية وقواعد التعاقد المعمول بها دولياً والتي تؤمنها عملية الاستعانة بالصناديق العربية والدولية، وإدارة الوزارة كأنها مملكة خاصة، انتقل وزراء “التيار الوطني الحر” من فشل إلى فشل والوطن إلى عتمة وظلام. وكلنا يتذكر إصرار وزير الطاقة في حينه جبران باسيل، عند إقرار ورقة الكهرباء، على استبعاد اللجوء إلى التمويل عبر القروض الميسرة من الصناديق العربية والدولية، وهو الأمر الذي كان مستغرباً لا بل مريباً لما كان سيؤمنه هذا الأسلوب الميسر من التمويل من شفافية وتنافسية ومن خفض في التكاليف على الخزينة وعلى مستوى الدين العام.

يقول صندوق النقد الدولي في ورقة أعدها عن قطاع الكهرباء في لبنان عام 2019، إن تنفيذ خطة الكهرباء بالكامل (والمؤلفة من أربع خطوات هي زيادة القدرة الإنتاجية، ووقف الهدر، وتحسين الجباية، وزيادة التعرفة)، سيؤدي إلى بدء تراجع عجز المؤسسة بنسبة 0.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 و0.9 في المئة من الناتج المحلي عام 2021. ثم، سترتفع المدخرات السنوية تدريجياً مع انخفاض الخسائر لتصل إلى 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً