هل ستتبخر أموال النفط والغاز أسوة بالمودعين؟

هدى علاء الدين

أيام قليلة مضت على إعلان لبنان الموافقة على ترسيم حدوده البحرية، ليصبح بلداً نفطياً في آخر أيام العهد الراحل قريباً. الترسيم وعلى الرغم من أهميته، وقع في تجاذبات السياسة بين من رأى فيه مرحلة لنهاية جولة من المفاوضات أبعدت شبح الحرب عن لبنان، وبين من اعتبره تعويماً لعهد الرئيس ميشال عون قبل نهايته.

فهل أصبح لبنان فعلاً بلداً نفطياً، وما هي أهمية إنشاء صندوق سيادي لادارة عائدات النفط والغاز؟

يقول “المعهد اللبناني لدراسات السوق”، إن لبنان ليس بلداً نفطياً لأنه لم يكتشف حتى الآن الغاز المزعوم بكميات تسمح بالاستخراج وتغطي التكلفة، مشيراً إلى أنه حتى لو بدأ لبنان بالتنقيب فوراً وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فلن يستطيع تصدير الغاز قبل 8 سنوات، ولكن حينها يمكن على الأقل البحث في جدوى إنشاء صندوق سيادي عادةً ما تستعمله الدول التي تمتلكه لانفاق عائداتها النفطية لاحقاً أو لاستثمارها.

ووفقاً للمعهد، فإن إنشاء صندوق سيادي سيُمكن الحكومة من الاستحواذ على الدولار “فريش” بصورة مباشرة من دون اللجوء إلى الطرق الملتوية، لا سيما وأن إدارة الصندوق ستعيّنها الحكومة وعائداته ستموّل النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لانفاق هذه الأموال التي جرت العادة أن يشوب صرفها العديد من الشبهات، وهو ما يُكرر احتمالية حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياطي مصرف لبنان، حينها ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين.

وإذ يعتبر المعهد أن أي إدارة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المالية أو مجلس الوزراء، ستفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية وتزيد من شبهات الفساد وهدر الأموال، يوضح أنه في حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يُحصلها لبنان مستقبلاً، فالهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. فقد تفرض الحكومة شريكاً لبنانياً على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءاً يسيراً من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي.

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، يرى مدير المعهد الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أن الخطوة الأولى تكمن في ضرورة التأكد من وجود ثروة غاز ونفط، وهذا يظهر بعد الانتهاء من مرحلة البحث عنها. وفي حال وجدت، يجب التفكير بجدية في كيفية أن تصل هذه الثروة الى الشعب اللبناني وليس الى الحكومة اللبنانية، خصوصاً وأن هناك المليارات من الدولارت وصلت إلى الحكومة في الماضي وهدرت على مشاريع تفوح منها رائحة الفساد والمحسوبيات والصفقات. وخير دليل على ذلك الأموال التي أعطاها المصرف المركزي وبلغت 65 مليار دولار (فجوة أموال المودعين) للحكومة من أجل إدارتها بطريقة رشيدة يتم من خلالها إنشاء مشاريع إنمائية. ويتخوّف مارديني من أن تهدر أموال هذه الثروة في حال حصلت عليها الدولة اللبنانية أو حولت إلى خزينتها أو إلى صندوق سيادي تقرر من يديره وتكون هي الوصية عليه، كما هدرت أموال المودعين، معتبراً أن الخوف الأكبر يكمن في سطو السياسيين اللبنانيين على الثروة النفطية.

وبالأرقام، أقرض مصرف لبنان الحكومة بالليرة عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29 في المئة في العام 2012 إلى 58 في المئة قبيل أزمة العام 2019، ثم عاد وحوّل لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة إلى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ حوالي 1500 ليرة لكل دولار، ما جعل الحكومة تستحوذ على 62.7 مليار دولار “فريش” من “المركزي”، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليارات دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف.

وبحسب مارديني، يجب العمل على إيجاد حلول من خارج الصندوق تسمح بإعطاء ملكية هذه الموارد للشعب اللبناني مباشرة في حال أُثبت وجودها، عوض أن تمنحها للدولة أو لأي صناديق تنتدبها الحكومة نيابةً عن المواطن الذي سيحق له حينها التصرف بها كما يشاء، مسلطاً الضوء على مثال ولاية تكساس التي تمنح فيها العوائد النفطية مباشرة لصاحب الأرض من دون المرور عند الحكومة.

وعمّا إذا كان هذا المثال ينطبق على البحر، يُشير مارديني إلى وجود مساعٍ لإيجاد حلّ مماثل يتماشى مع الأراضي البحرية.

شارك المقال