وزير المالية ينسحب: لن أتحول إلى كيس ملاكمة

المحرر الاقتصادي

بعدما كثرت الأخبار التي تناولته وأنه سيكون جزءاً من التعديل الوزاري المحتمل، انتفض وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، رافضاً في مؤتمر صحافي أشبه بجردة حساب، أن يتحول إلى “كيس ملاكمة”، وهو الذي كان “حظره” رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينتمي الخليل الى “حصته” الوزارية، عن الكلام في جلسة إقرر الموازنة.

“قبل تسلمي الوزارة، كنت أزاول رياضة الملاكمة لكني لن أتحول إلى كيس ملاكمة وأنا مقتنع بأنني سأسلم الوزارة أفضل مما تسلمتها”، قال الخليل، مقراً بأنه “تبيّن لي بوضوح أنني لم أستطع أن أفيد وطني بالمستوى الذي رغبته ووفق قناعاتي من داخل الدولة، في ظل نظام سياسي تكبّله الطائفية وتتحكّمْ بكل قراراته”.

تطرق الخليل الى كل الملفات تقريباً من الأزمة الاقتصادية الى مسألة استعادة أموال المودعين والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. وهو على يقين أن باستطاعة لبنان الخروج من أزمته الاقتصادية الراهنة.

فهل يستطيع لبنان فعلاً الخروج من أزمته المعقدة فيما الثقة، وهي محرك النمو، غائبة عن قطاعاته ومؤسساته المالية والمصرفية؟

كل المفاهيم الاقتصادية العلمية تشير إلى أن التعافي والنهوض الاقتصاديين يتطلبان أن يكون عامل الثقة هو اللبنة التي يبنى عليها مستقبل البلد وتنميته، فيما غيابه يبني قصوراً من رمال متحركة. وهو ما لمسه لبنان في السنوات الأخيرة حين فقدت الثقة بالقطاع المصرفي وبدوره الجوهري في الاقتصاد.

خلال الصيف الحالي، دخل الى لبنان حوالي 5 مليارات دولار، والكلام للخليل، “لكنها لم تنعكس على موجودات المصارف بسبب إنعدام الثقة… نعاني اليوم من فقدان الثقة في القطاعات والمؤسسات المالية والمصرفية، ما شجّع نمو الاقتصاد الموازي أو ما يعرف بالعامية بالسوق السوداء”.

تحتاج هذه المبالغ الى استعادة دورتها المعروفة عبر المصارف، تعزيز الثقة أولاً بلبنان واقتصاده وقطاعاته توازياً مع إعادة هيكلة المصارف التي هي عملية ضرورية لكنها غير كافية اذا ما بقيت يتيمة. وبالتالي، فإن التحدي الاقتصادي الذي يواجه لبنان هو استعادة الثقة في المقام الأول.

وفي المقابل، ليس مستحيلاً استعادة عامل الثقة. فالتجارب السابقة التي مرّ بها لبنان بعد الحرب الأهلية أظهرت بلا لبس أنه اذا توافرت الارادة لاعادة بناء الوطن، فان الثقة تستعيد طريقها التي ضلت عنه. ومن لا يذكر العبارة الشهيرة التي كان يرددها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في جميع المحافل الدولية حين كان يجهد لاعادة بناء لبنان، قائلاً: “علينا إستعادة الثقة بالبلد أولاً”؟

إن اعادة بناء ثقة المواطنين بحكومتهم ودولتهم وبالمؤسسات العامة، وثقة المجتمع الدولي بلبنان، تتم من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية ووضع خطة مالية واقتصادية واضحة والسعي إلى برنامج من صندوق النقد الدولي يمهد الطريق للحصول على تمويل إضافي من مصادر دولية أخرى. فهل يعقل استمرار التأخير في ابرام اتفاق تمويلي نهائي مع صندوق النقد على الرغم من أن جميع الأطراف متحدة على وجوب التعاون معه؟

عن المصارف

في مؤتمره، رسم الخليل صورة عن مستقبل القطاع المصرفي في ظل الكلام عن إفلاسات كبيرة قد تحصل، مبعداً هذا الخيار حين قال: “علينا أن نعي أن الاكتفاء بمجرد إفلاس المصارف لن يعني أكثر من إفلاس المودعين، كبارهم وصغارهم”.

في المقابل “من واجبنا حصر الافلاسات بأصغر عدد ممكن، وتشجيع عمليات الدمج شرط عدم التنازل إطلاقاً عن مبدأي الكفاءة والملاءة، وذلك لتوفير بنية تنافسية للقطاع تؤمن أفضل الشروط للمستثمرين والمودعين”.

وحمّل المصارف مسؤولية في مسألة استعادة الوادائع حين قال: “استعادة الودائع لا يجوز أن تكون من جيب الدولة حصراً”، و”عليها أن تتحمل، مع الدولة ومصرف لبنان وكبار المودعين، أجزاء عادلة من مسؤولية ما حصل، وذلك لصالح شرائح واسعة من مجتمعنا”.

الموازنة

بحسب الخليل، فقد كانت موازنة العام 2022 حاضرة منذ نيسان، لكن التأخير في إقرارها وتدهور قيمة العملة الوطنية وتقلبات سعر الصرف، كل ذلك، “فرض علينا إعادة تصحيحها باستمرار حتى الساعات الأخيرة”.

وقال: “أياً يكن، بجهود لجنة المال البرلمانية، وصلنا الى مشروع موازنةٍ حظيَ بموافقة أكثرية الكتل البرلمانية لئلا أقول كلها. كم كانت دهشتي (وربما سذاجتي) كبيرة عندما اكتشفت أن المقررين البرلمانيين في لجنة المال قادرون على الانتفاض في الهيئة العامة على ما اقترحوه هم في اجتماعاتِ اللجنة، وأن يعودوا في النهاية ويصوّتوا مع الموازنة، في إشارة الى التبدل المفاجئ لبعض نواب اللجنة وإعلانهم مواقف مغايرة لتلك التي اتخذ قرار فيها”.

موارد النفط والغاز

في ما يتعلق بالموارد المرتقبة من استخراج النفط والغاز، نبه الخليل على خطورة المس بهذه الموارد وتشكيل شركات وهمية لمحاصصة مستقبلية، محذراً مما هو معروف في علم الاقتصاد ألا وهو “المرض الهولندي”.

الطائفية

ووجّه الخليل رسالة الى اللبنانيين وكأنه يوجه رسالة الى المسؤولين مباشرة، قائلاً لهم: “أعرف تدهور ظروف حياتكم وقساوتها، ولذلك تحديداً، من واجبي مصارحتكم: لم يعد ما تبقى من الدولة قادراً على الدفاع عن المجتمع كما يجب. بصراحة، صرنا بحاجة إلى شعبٍ لاطائفي، شعبٍ يحمي ما تبقى من الدولة، لكي تستعيد أنفاسَها بداية، قبل أن تستعيد دورها كاملاً في حماية شعبها. في هذا الظرف الدقيق، على كل واحد وكل واحدة منا تغليب مصلحة الوطن على مصلحة طائفته. لبنان بحاجة اليوم إلى شعب لاطائفي، شعب مستعد أن يعطيه لحماية ما تبقى من دولته، وليس طوائف مستعدة أن تأخذ منه لنهش ما تبقى من الدولة”.

انتهت جردة الحساب لينتهي معها دور الخليل في وزارة المالية. فمن سيكون الخلف؟

شارك المقال