فعلها سلامة… فكم سيتراجع الدولار؟

هدى علاء الدين

لا يكاد يغيب الدولار عن واجهة الأحداث في لبنان منذ العام 2019 حتى يعود إليها من حيث لا يتوقع أحد، باستثناء مصرف لبنان الذي بات يُتقن اللعب بالتوقيت عبر تعاميم تضرب سعر الصرف ضربات قاضية في فترة زمنية قياسية، إذ انخفضت قيمة الدولار أمام الليرة اللبنانية المنهارة 5 آلاف ليرة للدولار الواحد من حوالي 40 ألف إلى 35 ألفاً، ما جعل الأسواق المالية والصرافين والمواطنين في حالة ذهول من هذا الانخفاض الفوري، مع توقعات باقتراب سعر الصرف من سعر منصة “صيرفة” التي قد تشهد انخفاضاً في قيمتها في حال أتت الرياح هذا الأسبوع بما تشتهيه سفن “المركزي”، محققاً بذلك انخفاضاً بقيمة 10 آلاف ليرة.

وعلى الرغم من أن خطوة حاكم مصرف لبنان يوم الأحد الفائت لم تكن مفاجئة خصوصاً مع كثرة الأحاديث في الآونة الأخيرة عن عزمه التدخل لأسباب اعتبرها البعض سياسية تزامناً مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، والبعض الاخر نقدية بعدما تجاوز الدولار حاجز الـ 40 ألف ليرة من أجل فرملة وتيرة تصاعده، إلا أن التوقيت الذي اختاره الحاكم لم يكن متوقعاً بعد أن رجحت كفة التوقعات بداية الشهر المقبل، وهو الأمر الذي أربك تجار الدولار الذين وجدوا أنفسهم تحت وطأة الخسارة. فسلامة الذي أعلن قيام “المركزي” ومن خلال منصة “صيرفة” ببيع الدولار حصراً ابتداءً من يوم أمس مع وقف عملية شرائه إلى إشعار آخر، كشف بصورة غير مباشرة عن عملية ضخ للدولار سيُجريها في السوق ليخفف بذلك من عبء زيادة الطلب عليه.

وقد أظهرت الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان للنصف الأول من شهر تشرين الأول ارتفاعاً كبيراً في الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية لم تشهده من قبل، بحيث وصلت إلى 24.700 مليار ليرة في شهر واحد فقط ليبلغ مجموعها 69.8 ألف مليار ليرة، في حين أن الارتفاع الأكبر في الكتلة لم يتجاوز على مدى سنوات الأزمة الـ 4.633 مليارات ليرة كحد أقصى. في المقابل، أظهرت ميزانية “المركزي” ارتفاعاً في احتياطاته بالعملة الأجنبية بحوالي 139.15 مليون دولار خلال الفترة نفسها إلى 10.01 مليارات دولار، مقارنة بـ 9.87 مليارات دولار قبل فترة أسبوعين. وهذا ما يدّل بصورة واضحة على أن المصرف المركزي عمد إلى طباعة المزيد من العملة الوطنية من أجل شراء الدولار من السوق السوداء، الأمر الذي أسهم في زيادة الطلب عليه وبالتالي ارتفاع سعر الصرف تلقائياً.

ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية دفع بالعديد من اللبنانيين إلى بيع دولاراتهم من أجل الحصول على مردود مرتفع بالليرة اللبنانية والاستفادة من دولار الـ 40 خوفاً من هبوطه لاحقاً أو من أجل إيداع الليرة في الصراف الآلي لزوم عملية “صيرفة”، وهو ما أسهم في جمع الدولار من الجيوب مباشرة إلى “المركزي” عبر الصرافين. عملية الإغراء هذه طالت أيضاً من قام بشراء الدولار تحسباً لمزيد من الارتفاع في سعر الصرف في الأيام المقبلة، ليكون اليوم الخاسر الأكبر من تعميم مصرف لبنان.

عملياً، ومهما كانت الأسباب من وراء تعميمه، نجح مصرف لبنان في خفض الدولار من جديد فارضاً نفسه كلاعب أساس في سوق الصرف يستطيع تغيير المنحى صعوداً أم هبوطاً متى أراد ذلك. ومع وصول عتبة الاحتياطي الإلزامي إلى المنطقة الحمراء، لا يزال “المركزي” قادراً من خلال أدواته في سوق الصرف على تأمين ما يلزمه من دولار بعيداً عن المس بما تبقى من نقد أجنبي لديه بغض النظر عن تداعيات ذلك، لكن الأهم من ذلك تبقى نية مصرف لبنان من وراء تعميمه، فهل تدخل فعلاً لمعالجة معضلة سعر الصرف وهو أمر مستبعد أقله على المدى القصير بسبب غياب الأسس المالية والإصلاحية التي تعزز من اتجاه كهذا خصوصاً وأن كمية الدولار التي بحوزته اليوم ستنضب غداً بعد عرضها في السوق بحيث سيجد نفسه مضطراً لإعادة الكرّة وجمع العملة الخضراء لزيادة سيولته، أم أنه أراد خلق صدمة في السوق الموازية للعودة إلى عتبة الـ 30 من جديد وإعطاء الدولار استراحة محارب بانتظار ما ستؤول إليه الاستحقاقات السياسية وما أكثرها قبل العودة إلى دائرة الـ 40 من جديد وربما أكثر؟

وفي كلتا الحالتين، لا بدّ من تقديم نصيحة لحامل العملة الخضراء: “خبي دولارك الأبيض من السوق الأسود”، فالانخفاض وهمي إلى حين إثبات حسن النوايا المالية والسياسية.

شارك المقال