ليس بالترسيم وحده نعيد لبنان الى النظام المالي العالمي

المحرر الاقتصادي

أما وقد وصل ملف ترسيم الحدود البحرية الشائك بين لبنان واسرائيل إلى خواتيمه، يسلم الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم النسخة النهائية للاتفاقية قبل أن يصار إلى التوقيع عليها من الوفدين اللبناني والاسرائيلي بصورة منفصلة في الناقورة تحت راية علم الأمم المتحدة.

ولكي تدخل الاتفاقية غير الواضحة بعد حيز التنفيذ، على كل من لبنان واسرائيل توجيه رسائل الى واشنطن عن مضمونها، ثم تصدر الأخيرة إشعاراً بإعلان تنفيذ الاتفاقية. كما يرسل كل من الطرفين إحداثيات الحدود التي نصّت عليها الاتفاقية الى الأمم المتحدة ليعترف بها رسمياً.

وفي وقت لم تهدأ بعد الأصوات التي تعتبر أنّ ما قام به العهد هو “خيانة عظمى” كونه تنازل عن حقوق للبنان، بدأ الحديث عن إمكان أن يكون هذا التطور بديلاً عن إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي يمنح لبنان 3 مليارات دولار مشروطة برزمة مهمة من الاصلاحات.

في الواقع، لن تحسّن اتفاقية الحدود وضعية لبنان الاقتصادية المهترئة. فالاقتصاد اللبناني يحتاج إلى ورشة إصلاحية مالية ونقدية عميقة تتيح له مواكبة التطورات العالمية، وتسمح له بالعودة الى الأسواق المالية العالمية. وهو ما فسرته بوضوح بعض وكالات التصنيف الائتمانية التي، وإن رحبت بالتوصل الى اتفاق حول الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، الا أنها كانت واضحة حين قالت انه ليس بالاتفاق يحسَّن تصنيف لبنان.

والتصنيف الائتماني أو ما يعرف بدرجة الملاءة، مهم جداً، كونه يعيد البلد الى النظام المالي العالمي. فهو، بحسب توصيف “هارفرد”، يعتبر بمثابة هوية ومقياس لتقدير مدى قدرة الجهة المقترضة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المقرضين. ويلجأ المستثمر إلى التصنيف الائتماني لقياس مستوى المخاطر المالية وقدرة المدين على الوفاء بالالتزامات المالية، خصوصاً مع غياب المعلومات الكافية لاتخاذ قرار الاستثمار.

وتساعد تقارير وكالات التصنيف الائتماني على تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد، وبالتالي رفع قيمة عملتها، أو حتى بالعكس. فقد تساعد على خروج الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً تلك الاستثمارات غير المباشرة، التي يمكنها الخروج بسرعة من الأسواق المعرضة للخطر.

في أحدث تقرير لها عن لبنان، وصفت وكالة التصنيف الدوليّة “موديز” إبرام إتّفاقيّة الترسيم بأنها خطوة إيجابيّة لصالح لبنان، كونها تؤمّن المناخ الجيوسياسيّ الملائم لاستقطاب شركات التنقيب الدوليّة خلال مرحلة الاستكشاف وإضافةً إلى الاستفادة من موارد لبنان الهيدروكربونيّة.

لكن “موديز” قالت إنها لن تعدل تصنيف لبنان السيادي في ظل غياب هيكلة شاملة للدين العام نتيجة شدّة التحدّيات الماكروإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة، إضافةً إلى توقّعاتها بخسائر تفوق الـ65 في المئة للدائنين من القطاع الخاصّ.

الوكالة أوضحت أنّ الاتّفاقيّة تسمح بالبدء بإستكشاف حقل قانا في البلوك الرقم 9، وأنّ استخراج أي موارد غاز سيساعد لبنان على التخفيف من عجزه المزمن في الطاقة والبدء ببرنامج تعافٍ إقتصادي. لكنها أشارت إلى أنه “لا يمكن الجزم بوجود موارد هيدروكربونيّة في هذا المكمن، في حين يوجد في حقل كاريش 1.85 تريليون متر مكعب، حيث من المتوقع أول استخراج للغاز هذا العام. وقد يستغرق إستخراج النفط والغاز في لبنان نحو ثلاث إلى أربع سنوات”.

في المقابل، اعتبرت “موديز” أنّ الإتّفاق مع صندوق النقد الدولي هو فرصة للبنان لاجتذاب مساعدات خارجيّة في حال تطبيق الاصلاحات المتفق عليها كإعتماد التشريعات والقرارات المطلوبة حول “الكابيتال كونترول”، والسريّة المصرفيّة وتسوية المصارف وتوحيد أسعار الصرف. لكن الوكالة، نبّهت على أنّ تطبيق الاصلاحات يسير بوتيرة بطيئة منذ الانتخابات النيابية في أيّار 2022، ودعت إلى تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد لتجنّب فراغ رئاسي بعد 31 تشرين الأوّل/اكتوبر 2022.

بدورها، اعتبرت وكالة التصنيف الدوليّة “فيتش” في تقرير صدر بعيد الاعلان عن التوصل الى اتفاقية الترسيم منتصف الشهر الحالي، أنّ الاتفاقية ستفتح الباب للبنان لاستكشاف ثروته النفطيّة، وتسمح بتحسين تصنيفه السيادي على المدى الطويل في حال اقترنت عمليّة الاستخراج بالاصلاحات المنشودة.

إلاّ أن الوكالة حذّرت من أنّ نتائج الاتفاقية غير مؤكّدة ومحفوفة بمخاطر التنفيذ. إذ أوضحت أن عمليّة التنقيب في البلوك 4 لم تكشف عن وجود كميّات تجاريّة، وقالت: “لا تزال آفاق إنتاج الغاز غير واضحة. احتياطيات حقل قانا غير معروفة. في العام 2020، لم يكشف الحفر في البلوك 4 عن أحجام غاز قابلة للتطبيق تجارياً. وإذا كان الانتاج ممكناً، فسيستغرق إطلاقه سنوات. وقد تعرقل البيئة السياسية اللبنانية تطوير إطار قانوني مناسب”.

وذكّرت الوكالة بأنّ صندوق النقد الدولي لم يوافق بعد على مبلغ الـ3 مليارات دولار نتيجة عدم استكمال الدولة اللبنانيّة الاصلاحات التي تعهّدت بها. كما كشفت أنّ نتائج الانتخابات النيابيّة واحتماليّة الفراغ الرئاسي قد تعرقلان عمليّة تنفيذ هذه الاصلاحات بصورة أكثر.

شارك المقال