“هجرة” اليد العاملة الأجنبية: خطر أم فرصة؟

جنى غلاييني

يمر لبنان بإحدى أسوأ مراحله الاقتصادية على الإطلاق، لما يشهده من ضربات متتالية تودي به إلى الهاوية.

هذه الأزمة الاقتصادية العميقة أدت إلى “هجرة” العمال الأجانب الذين تُدفع رواتبهم بالدولار وبمتوسط 300 دولار شهريًا، فيما بات الحد الأدنى للأجور في لبنان لا يتعدى الـ60 دولاراً. هذه “الهجرة” تعبر عنها أرقام الأمن العام الذي يمنح سمات للعمالة الأجنبية والتي تراجعت بنسبة 83 في المئة عام 2020.

وتشير التقديرات إلى أن المبالغ التي كانت تخرج من لبنان بسبب العمالة الأجنبية، قاربت الملياري دولار سنوياً قبل تعمق الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا. النسبة الكبرى منها تعود إلى العاملين في الخدمة المنزلية، الذين كانوا يحولون كامل رواتبهم إلى ذويهم في بلدهم الأم.

السؤال اليوم أنه في ظلّ هجرة اليد العاملة الأجنبيّة، هل استطاع اللبناني أن يحلّ مكانها؟ وهل من خطط لاصلاح الأجور التي فقدت قيمتها؟ وفي ظلّ الأوضاع الراهنة والانتخابات السورية، هل من خطّة لإعادة العمّال السوريين إلى بلادهم؟.

مارلين عطالله

تشرح رئيسة دائرة مراقبة العمال الأجانب في وزارة العمل، مارلين عطالله، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن هجرة العمال الأجانب من لبنان نتيجة الأزمة الاقتصادية المستفحلة تسببت في إحداث حالات فراغ في العديد من القطاعات، ما خلق فرص عمل محتملة أمام اللبنانيين، خصوصاً في الزراعة وفي قطاعات أخرى خدمية كالمطاعم والمقاهي. “لكن اللبنانيين لم ينخرطوا بالكامل في شغل وظائف ومواقع عمل أخرى، ربما لأسباب وعوامل ثقافية أسّست لفهم مجتزأ لمفهوم العمل كقيمة إنسانية تمنح الإنسان أبعاداً حياتية ودوراً اجتماعياً تنموياً اساسياً”.

وشددت عطالله على أن الوزارة تقوم بواجبها للحد من العمالة غير الشرعية، وعدم احترام القوانين واستغلال العمال الأجانب، “وذلك على رغم النقص في الإمكانات البشرية لاسيما على مستوى جهاز التفتيش الذي يقوم، بوضعيته الراهنة، بعمل مهم في مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية”. أضافت “أن الوزارة تمكنت خلال الفترة الماضية من ضبط الكثير من المخالفات، وأوقفت عمل العديد من مكاتب استقدام العمال الأجانب المخالفة للقوانين واتخذت إجراءات عقابية بحقهم”.

وفي سؤالٍ عمّا إذا كانت الأزمات التي تتوالى على لبنان، دفعت إلى “صحوة” وزارة العمل لمتابعة العامل اللبناني وشكواه، أجابت عطالله بانفعال وحسم “إنّ الوزارة لم تتلكأ لا ماضياً ولا حاضراً عن متابعة مشكلات العامل اللبناني وحقوقه، وكانت على الدوام حريصة على تطبيق قانون العمل في ما خص النزاعات التي تنشأ بين العمال وبين أرباب العمل، وخاصة النزاعات الجماعية. وتمكنت الوزارة من إيجاد حلول لـ70 في المئة من هذه النزاعات ومن التوصل لصبغ حلول لهذه النزاعات، ووقفت دائماً إلى جانب حقوق العمال والمستخدمين. لذا من المجحف الحديث عن صحوة، وإذا كان هناك من تقصير فمرده إلى ضعف الامكانات ونقص الكوادر البشرية الوظيفية فقط لا غير”.

وفي ما خص الأجور وتدهور القدرة الشرائية للمداخيل والرواتب والأجور نتيجة التّضخم وانهيار سعر صرف العملة الوطنية، قالت “إنّ هذه المسألة قائمة مع الأسف وهي نتيجة وإنعكاس لواقع أزمة اقتصادية بنيوية يعانيها الاقتصاد حالياً”. وتابعت “أمّا في ما خص زيادة الأجور حالياً فهناك صعوبات كثيرة تحول دون ذلك بسبب عدم وجود حكومة وغياب خطة إصلاحية جذرية لكامل بنية الاقتصاد. وبالتالي، فإن أي زيادة على الأجور حالياً دون معالجات جذرية لن تكون ذات فائدة وستزيد التضخم وتؤدي إلى تآكل إضافي للرواتب والأجور”.

محمد شمس الدين

يفيد الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”لبنان الكبير”، “أن عدد العمالة العربية والأجنبية (عدا السوريين والفلسطينيين) كان يبلغ نحو 400 ألف، ولكن بعدما شهد لبنان أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية، تراجع هذا العدد إلى نحو 230 ألفاً خلال العام 2020، وذلك بسبب تقاضي العمال العرب والأجانب رواتبهم بالدولار”. وهو يتوقع مزيداً من التراجع في العام الحالي في حال استمرار تفاقم الأزمة.

ويشرح شمس الدين “أن بطاقات العمل الشرعيّة بلغت في العام 2019، 203 آلاف بطاقة، تم تجديد 143 ألفاً منها فقط. فيما بلغ عدد البطاقات الجديدة للعمالة الأجنبية عام 2020، 11 ألفا و453 بطاقة مقابل 43 ألفاً و825 بطاقة في 2019”.

وفيم ا يخص أعداد النازحين السوريين في لبنان، قال” أن أكبر عدد شهده لبنان من النازحين السوريين تخطّى المليون و500 ألف نازح. لكن خلال السنوات الأخيرة، تضاءلت تلك الأعداد نتيجة العودة الطوعيّة (عاد نحو 450 ألف نازح) ومغادرة نحو 90 ألف نازح إلى بلد آخر. وبالتالي فإنّ عدد النازحين السوريين في لبنان الآن بلغ نحو 950 ألف نازح”.

ويوضح شمس الدين “أن لا وجود اليوم لخطّة لعودة السوريين إلى بلادهم، وذلك لأنّ سوريا تعاني أزمة اقتصادية أصعب من تلك التي يعانيها لبنان. “لذلك، فإن العامل السوري يفضّل البقاء في لبنان، وذلك لاعتباره أن الظروف المعيشية والعمل في لبنان أفضل ممّا هي عليه في سوريا، خصوصاً أن العامل السوري يتلقّى مساعدات من المؤسّسات الدوليّة المانحة”.

ويختم قائلاً: “إن العمالة السورية أثرت بشكل كبير على العمالة اللبنانيّة خصوصاً في بعض القطاعات مثل الفنادق والمطاعم ومحال البيع، وذلك لتوافر العمل فيها. أمّا في قطاع البناء، فلم تكن هناك منافسة بين العمال السوريين واللبنانيين بسبب توقف الأعمال في هذا القطاع حالياً”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً