شطب أموال المصارف يُهددّ أموال المودعين

هدى علاء الدين

لا يزال المودعون حديث الساعة في لبنان بعدما أصبحوا الحلقة الأضعف في أزمة أطاحت بأموالهم من دون أي آمال في استرجاعها بسبب عدم العثور منذ ثلاث سنوات وحتى الآن على حلول تخرق جدار الأزمة. من فرض القيود على سحوباتهم الدولارية وصولاً إلى إمكان شطب الودائع، يعيش المودعون اليوم في حالة من الخوف والقلق المبرر بشأن مصير ودائعهم الدولارية التي فقدت الكثير من قيمتها، حتى بات الجواب عن إمكان الحصول عليها يُخفي وراءه واقعاً مريراً وخسارةً مدويةً قد لا يتحملها الكثير منهم.

وفي هذا السياق، رأى عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة اليسوعية البروفسور فؤاد زمكحل في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن “من الضروري أولاً الانطلاق من الواقع الذي نعيشه اليوم وفق مفهوم الاستراتيجية الاقتصادية، وهو للأسف واقع مرير ومؤلم ومحزن بحيث يمكن القول إن أموال المودعين لم تعد موجودة، خصوصاً وأن قيمة هذه الودائع لا تتجاوز الـ 15 في المئة فقط من قيمتها الأساسية إذا احتسبت على سعر الصرف في السوق الموازية، في حين قد تصل إلى 20 أو 25 في المئة وفقاً للتعاميم 151 و158 و161 الصادرة عن مصرف لبنان، وبالتالي فإن قيمة الوديعة اليوم في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان أصبحت أقل بكثير من قيمتها الحقيقية”.

واذ أشار زمكحل الى أن الحديث عن استرجاع أموال المودعين يطال ثلاثة أطراف رئيسة تلعب دوراً محورياً في عملية استعادتها، اعتبر أن الدولة اللبنانية التي أنفقت هذه الأموال وأهدرتها لن تُعيدها إلا إذا أُجبرت بطريقة مباشرة على ذلك أو إذا توافرت لديها النية الصافية لذلك، مستبعداً وجود أي منها في الوقت الراهن.

أما المصارف التي لها أيضاً مسؤولية مباشرة من حيث المساهمة في التصرف في ودائع اللبنانيين، فأكد أنها لا تملك القدرة المالية اللازمة التي تمكنها من سداد أموال الودائع، في حين أن التوجه نحو إعلان إفلاس القطاع المصرفي سيجعل من عملية استرداد الودائع عملية طويلة الأجل تستغرق سنوات ولن ينتج عنها سوى استرجاع 10 في المئة من قيمتها الإجمالية. وفي ما يتعلق بأموال صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية، لم يكن مصيرها أفضل من ودائع اللبنانيين، لا سيما وأن أموال هذه الجهات هي أموال المودعين الأوروبيين والدول المانحة التي استثمرت في لبنان ومن ثم هدرت (أموال باريس 1 و2 و3 وستوكهولم وبروكسل…).

وعن عملية الشطب التي يتم تداولها مؤخراً، أوضح زمكحل أن هذه العملية هي جزء من الاستراتيجية التي ينتهجها صندوق النقد الدولي باعتبارها الحل الأسهل له، وهو أمر وافق عليه مجلس الوزراء. وعلى الرغم من أن الصندوق لم يتدخل في أموال المودعين بصورة صريحة، بل طلب شطب أموال المصارف، إلا أن ذلك يعني شطب أموال المودعين بطريقة غير مباشرة باعتبار أن أموال المصارف لدى مصرف لبنان هي نفسها أموال المودعين، وبهذا يكون الصندوق قد رفع المسؤولية عن نفسه تجاه التخلي عن ودائع اللبنانيين ليقتصر دوره على إزالة القيود الخاصة بمصرف لبنان لمعاودة الاقلاع بالاقتصاد من جديد.

ولفت زمكحل الى أن عملية الشطب تعمل على تأجيل حل المشكلة وتأخيرها واستنزاف الوقت بصورة تامة، خصوصاً وأن الذين استفادوا من التعميمين 151 و158 تكبدوا خسارة تُقارب الـ 70 – 75 في المئة من قيمة أموالهم، ومع ترقب رفع الدولار المصرفي إلى الـ 15000، ستتعرض الودائع إلى الذوبان من جديد، والمودع الصغير الذي يحتاج إلى وديعته من أجل تأمين احتياجاته الأساسية سيكون الخاسر مرة أخرى، في حين سيحيّد كبار المودعين إلى حين تهيئة صفقة خاصة بهم.

وبحسب زمكحل، فإن دمج المصارف لن يُعيد أموال المودعين، لا سيما وأن عملية الدمج ستكون في غاية الصعوبة في ظل حالات الافلاس والمديونية العالية. كما أن الدولار الذي يدخل إلى لبنان من المغتربين (3 – 6 مليارات) لا يكفي لبناء الاقتصاد ولا حتى أموال الصندوق المتوقعة (3 – 4 مليارات) كافية لذلك. لذا، وحدها استعادة الدورة الاقتصادية التي تُدخل العملة الصعبة من جديد إلى لبنان وعودة الثقة بقطاعه المصرفي هي التي ستعيد ودائع اللبنانيين إليهم، بالتزامن مع خارطة طريق زمنية يحدد من خلالها توقيت استرجاع هذه الودائع وقيمتها. لكن العبرة تبقى في وجود النية والارادة للقيام بذلك، وهما غير متوافرتين حتى الآن بسبب غياب الجدية في التعاطي من كل الجهات المسؤولة عن هذا الملف، وعدم وجود أي استراتيجة للحل أو أي قرارات جذرية لادارة الأزمة بطرقة فاعلة، بل قرارات عشوائية فقط أسهمت في تشريع السوق السوداء وفي تعميق الأزمة التي يدور حولها العديد من علامات الاستفهام من حيث تركيبتها وتشابكها.

ورأى زمكحل أن من افتعل هذه الأزمة لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل، مشدداً على أن الثقة بلبنان ومكوناته لا تزال قائمة، لكنها غير موجودة مع حكامه لأنهم مسؤولون مباشرةً عن هذه الأزمة.

شارك المقال