الدولار الجمركي… تضخّم معدلات الفقر وتقليل القوة الشرائية

جنى غلاييني

ليس من المفترض نظرياً أن يؤثر الدولار الجمركي في أسعار المواد الأساسية بحسب ما أكّدت الجهات المعنية سابقاً، فهناك أكثر من 600 سلعة معفاة من ضريبة الدولار الجمركي، الذي يفترض أيضاً أنّ يؤمن ارتفاعه إيرادات إضافية لخزينة الدولة، ولكن كما جرت العادة بسبب فشل أجهزة الرقابة يبدو أنّ هذا الارتفاع سيؤثّر في المواطن مباشرةً ولن يؤمّن أي إيرادات جديدة للدولة، لأنّ التجار كانوا قد بدأوا بالاحتكار أساساً منذ بدء فكرة رفع ضريبة الدولار الجمركي، وبعضهم خزّن بضائعه في مستودعاته لبيعها بسعر أعلى مع بدء العمل بالسعر الجديد على الـ15 ألف ليرة.

الدولار الجمركي هو ثمن احتساب القيمة الجمركية للواردات، ويدفع بالليرة اللبنانية، وثبت سعره على 15 ألف ليرة مقابل الدولار. وسط التراجع السريع لقيمة العملة المحلية منذ العام 2019 وظهور أسعار صرف متعددة للدولار حتى اليوم، يجد الكثير من المواطنين ارتفاع الدولار الجمركي كارثياً ويعتقدون أنه سيزيد إيرادات الدولة من جيوب الناس من أجل تقليص عجز الموازنة العامة.

وعلى الرغم من تداول أخبار عن بدء ارتفاع أسعار السلع بعد البدء بتطبيق الدولار الجمركي، أكّد وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام خلال مؤتمر صحافي أمس أنّ “70% من السلع الغذائية معفاة ولن تتأثر أسعارها برفع سعر صرف الدولار الجمركي والـ30% المتبقية تمت دراستها بصورة دقيقة جداً، وقد طالبنا بإعفاء سلع إضافية ما أخّر صدور جداول السلع المعفاة”.

وأشار الى أن “السلع الغذائية التي تخضع للدولار الجمركي هي تلك التي يصنّع مثيلها في لبنان بكميات تكفي السوق اللبنانية إضافةً إلى السلع الفاخرة”، معتبراً أنً “على الصناعة المحلية أن تؤمن السلع بأسعار أفضل للمواطن اللبناني، وإن كان المنتج الأجنبي أوفر على المواطنين من السلع المحلية فلن تشمله الضريبة”.

ولفت سلام الى أنّ التجار استغلوا الضعف الرقابي لدى الادارات، مناشداً الجميع “الإلتزام الكامل بالدولار الجمركي على المواد التي تأتي منذ مطلع الشهر الحالي، علماً أن الجميع تعهدوا ببيع السلع التي كانت لديهم قبل هذا التاريخ على السعر القديم وهذا يرتب عليهم التزامات قانونية وقد طلبنا اعفاء أكثر”. وأوضح “أننا سعينا منذ الأيام الأولى التي بحثنا فيها الدولار الجمركي الى ألا نزيد الأعباء على أكل الناس وشربهم خصوصاً في وضع تفلت سعر صرف الدولار وهبوط القدرة الشرائية”.

ولكن بحسب الخبير الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال فانّ دخول الدولار الجمركي الجديد حيز التنفيذ له تداعيات سلبية كبيرة خصوصاً على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لأنّ كلفة فاتورتهم الاستهلاكية ستزيد بصورة مباشرة حسب نوع استهلاكهم. وأوضح لـ”لبنان الكبير” أن “أي فاتورة كانت تُحتسب على الـ1500 ليرة على سبيل المثال كانت قيمتها 15 مليون ليرة اليوم أصبحت 150 مليون ليرة على الدولار الجمركي الجديد، فزادت الأكلاف الضريبية 10 مرات، وهذه الزيادة ستنعكس فوراً على كل أنواع الاستهلاك على الرغم من وجود سلع غذائية معفية من الدولار الجمركي، إنّما هناك سلع معفية عليها TVAوسلع ليس عليها لا جمرك ولا TVA، وهذه السلع المعفية تشكّل 10% من سلة المواطن الغذائية، فماذا عن الـ90% المتبقية؟ إنّ هذه النسبة تشكّل من سلة المواطن كل السلع التي إمّا عليها جمرك أو عليها TVA”.

وأكد رمال أن “هذا من شأنه أن يؤدي إلى تضخم أسعار السلع، وتقليل القوة الشرائية للأفراد، وتضخم معدلات الفقر المرتفعة بالفعل، وهذا التضخم لا نلاحقه بزيادة التحفيزات الاجتماعية”. وقال: “من كان لديه ضمان اجتماعي سابقاً كان يدخل الى المستشفى كما يقول المثل الشعبي (يضرب بإجرو) أمّا اليوم في ظل انهيار القطاع الصحي فمن لديه ضمان لا يدخلونه الى المستشفى ويجب عليه أن يدفع 90% من جيبته، فكيف الحال بمن ليس لديه لا ضمان ولا تغطية صحيّة؟ اليوم وزارة الصحة غير قادرة على القيام بواجباتها تجاه المواطنين غير المضمونين والأعباء تزداد على الدولة وعلى المواطن، والمشكلة التي نقع فيها أنّ القرارات تُتخذ بالقطعة (بالمفرق) في ظل واقع اقتصادي منهار انعكس على عموم المواطنين. هناك مواطنون لديهم القدرة على الاستمرار في ظل الانهيارات الحاصلة ولكن لا يشكّلون أكثر من 15 الى 20%، وهناك 80% من الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، ولم تتم ملاحظة أي دعم أسري لهم، والناس متروكة لمصيرها مع الأسف في واقع سياسي متأزم انعكس على الواقع المعيشي الذي أصبح من أصعب ما يكون في لبنان”.

وعما إذا كان لبنان سيشهد انفجاراً اجتماعياً قريباً، شدّد رمال على أنّ “الواقع المعيشي صعب جدّاً وكذلك الواقع الاجتماعي أصعب أكثر، وواقع الهجرة أيضاً بحيث أن كل من يستطيع الهجرة من لبنان لا يفوّت ذلك أبداً حتّى ولو كانت الرواتب أقل من 800 دولار، وبالتالي نحن اليوم أمام هجرة شبابية ونخب، والخوف الأكبر أن نشهد على هجرة رساميل”.

وسأل: “في ظل انهيار غالبية القطاعات اللبنانية، ونسبة بطالة وفقر مرتفعة، كيف للبلد أن ينهض وكيف للدولة أن تؤمّن وارداتها من 20% من المقتدرين اللبنانيين؟”، منبهاً على “أننا أمام أزمة دائمة ومستمرة ومتفاقمة بسبب عدم وضع خطة كاملة يراعى فيها الشق الاجتماعي، فأين هي خطة التعافي اليوم؟ كل ما يقوم به السياسيون هو تحميل الخسائر كافة للمواطنين”.

شارك المقال