الدولار يعصف بالليرة: انهيار لامحدود

هدى علاء الدين

يُعاود الدولار ارتفاعاته فوق مستويات الـ41 ألف ليرة بعد فترة هدوء مصطنعة إثر إقرار المصرف المركزي الشهر المنصرم بيعه الدولار عبر منصة “صيرفة” مقابل التوقف عن شرائه، ليتصدّر من جديد قائمة الأزمات الاقتصادية الأكثر صعوبة وغموضاً في لبنان. مسار العملة الأجنبية الذي من المتوقع أن يُبقي على سعر صرف مرتفع لا يزال يتخبط في بيئة سياسية واقتصادية غير صالحة بعد لاستقرار نهائي يوقف انهيار الليرة اللبنانية، الأمر الذي يجعل الاجابة حول إمكان استمرار هذا الارتفاع أو انخفاضه في المرحلة المقبلة في غاية الصعوبة.

إذاً، لم يستقر الدولار طويلاً دون مستوى الـ 36 ألفاً، ودخل حلقةً جديدة من الارتفاع من الواضح أنها سترافق بداية الأسبوع الذي يشهد اليوم جلسة حكومية على وقع سجالات حادة بين رئيس الجمهورية المنتهية ولايته ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي اتهمه عون بمحاولة الاستئثار بالسلطة وفرض إرادته على اللبنانيين خلافاً لأحكام الدستور والأعراف والميثاقية، مشيراً إلى أن التذرع بتلبية الحاجات الاستشفائية والصحية والاجتماعية وغيرها لا يبرر لميقاتي خطوته التي تدخل البلاد في سابقة لا مثيل لها في الحياة الوطنية اللبنانية. كما حذّر مما يمكن أن يترتب على هذه المخالفة الدستورية والميثاقية، داعياً الوزراء إلى اتخاذ موقف موحد يمنع الخروج عن نصوص الدستور لا سيما وأن أي اجتهاد يُعدّ انتهاكاً واضحاً للمبادئ الثوابت التي أرستها وثيقة الوفاق الوطني وكرّستها مواد الدستور. من جهته، نفى ميقاتي ما يروّجه بعض الاعلام العوني الهوى والانتماء والتمويل عن اتصال جرى بينه وبين البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي بعد عظة قداس الأحد، مشدداً على أن دعوته إلى اجتماع الحكومة يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه، بحيث سيسعى إلى أن تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيراتٍ من هنا وهناك لتحافظَ على استقلاليّتِها كسلطةٍ تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال، كما دعا الراعي في عظته.

اقتصادياً، تنعكس القرارات الدولارية على سوق الصرف بفعل قلة الموارد المتاحة بالعملة الأجنبية وارتفاع مستحقات الدولة. وبحسب مصادر “لبنان الكبير”، فإن الطلب على الدولار في السوق الموازية يشهد ارتفاعاً بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة من أكثر من جهة، مشيرة إلى وجود صعوبة في تحديد المنحى الذي سيتخذه الدولار على الرغم من توافر عدة عوامل تضغط باستمرار على إبقائه مرتفعاً من دون وجود أي رادع لذلك، أبرزها بدء تطبيق الدولار الجمركي وزيادة رواتب القطاع العام كما نصّت عليها الموازنة وتدخل مصرف لبنان غير المعلن أو المباشر في السوق لشراء حاجته من الدولار عبر شركات الصيرفة التابعة له. وعن تدخل “المركزي” مرة أخرى كما حصل سابقاً لخفض سعر الصرف، ترى المصادر أن للمصرف المركزي حساباته الخاصة في ما يتعلّق بالتحكم في سعر الصرف، وهو دائماً ما يتدخل في التوقيت الذي يخدم سعيه الى الحصول على ما يحتاجه من العملة الصعبة والحدّ من تضخم الكتلة النقدية في السوق التي وصلت إلى 70 تريليون ليرة.

وتؤكد المصادر أن الاضطرابات في سوق النقد ستبقى على حالها، وقد تشتد وتيرتها مع الوصول إلى نقطة الحسم السياسي في ما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، واشتداد الخناق الاقتصادي والمالي الذي يعوق أي محاولة جدية للنهوض، مشيرة إلى الحاجة الملحة للنظر في تطبيق بعض الاجراءات التي أقرتها الحكومة وأبرزها ضريبة الدخل على القطاع الخاص الذي لا يزال صامداً في وجه الانهيار، مع ضرورة البحث عن موارد مالية بعيداً عن جيبة المواطن لوازم تمويل النقص في إيراداتها والكف عن سرقة دولاراته بشتى الوسائل والطرق المتاحة. وعلى الرغم من التوقعات بتدفق أموال المغتربين مجدداً إلى أسواق لبنان في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، إلا أنه لا يمكن التعويل على هذه الدولارات لخفض سعر الصرف وخير دليل على ذلك ما حصل صيفاً، ليبقى بذلك مفتاح استقرار الدولار الذي تملكه الدولة بكل مكوناتها الرئاسية والتشريعية والتنفيذية ضائعاً بين التصعيد السياسي الذي ينعكس سلباً على الوضع المالي والإصلاحي.

شارك المقال