دولار المغتربين “الفريش”… عصيّ على الأزمة

هدى علاء الدين

تُعد التحويلات المالية من المغتربين مصدراً حيوياً لدخل الأسر المعيشية في البلدان منخفضة الدخل، لا سيما وأنها تخفف من حدة الفقر ومن الأعباء المالية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية، فتمكنها من الصمود في وجه رياح الانهيار إلى حين عودة النهوض والأداء الطبيعي للدورة الاقتصادية. وفي أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي حول الهجرة والتنمية، تبين أنه على الرغم من التطورات المعاكسة التي شهدها العام 2022 على الصعيد العالمي، فقد زادت التحويلات إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنسبة 5 في المئة لتصل إلى 626 مليار دولار، مع الاشارة إلى أن هذه النسبة تقلصت بصورة حادة عن الزيادة المسجلة في العام 2021 والتي بلغت 10.2 في المئة. وبحسب البنك الدولي، فإن العديد من العوامل ساهمت في تشكيل تدفقات التحويلات إلى مناطق البلدان النامية في العام 2022، أبرزها انحسار جائحة كورونا، وما نتج عنها من إعادة فتح الاقتصادات المضيفة والتي رفعت من مستويات تشغيل المغتربين وتدعيم قدرتهم على الاستمرار في إرسال المساعدات إلى أسرهم في بلدانهم الأصلية.

كما أشار التقرير إلى أن أفريقيا التي تُعدّ المنطقة الأكثر تعرضاً للأزمات المتزامنة، زادت فيها التحويلات بنسبة 5.2 في المئة مقارنة بـ 16.4 في المئة في العام الماضي لتصل إلى 53 مليار دولار في العام 2022، في حين ارتفعت تدفقات التحويلات بنسبة 10.3 في المئة إلى أوروبا وآسيا الوسطى مسجلة 72 مليار دولار في العام 2022. أما في أوكرانيا، فيُقدر نمو التحويلات بنسبة 2 في المئة و9.3 في المئة في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي حيث بلغت 142 مليار دولار، و3.5 في المئة في جنوب آسيا بحوالي 163 مليار دولار، و2.5 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقيمة 63 مليار دولار، و0.7 في المئة في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ لتصل إلى 134 مليار دولار في العام 2022. وتقترب الهند من تلقي تحويلات سنوية تفوق الـ 100 مليار دولار. من جهة أخرى، بقيت تكلفة إرسال 200 دولار عبر الحدود الدولية إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مرتفعة عند مستوى 6 في المئة ​​في المتوسط في الربع الثاني من العام 2022، في حين ظهرت شركات تشغيل شبكات الهاتف المحمول كأرخص وسيلة لارسال الأموال عند مستوى 3.5 في المئة، ومن ثم القنوات الرقمية عند مستوى أقل من 1 في المئة من إجمالي حجم المعاملات المنفَذة.

وتجدر الاشارة إلى أن الأرقام الواردة أعلاه تعكس الأهمية الاقتصادية البالغة لتحويلات المغتربين للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، كونها تعد مورداً مهماً للغاية للعملة الأجنبية، ما يدعم أسعار صرف عملات تلك الدول ويشكل مورداً رئيساً لتكلفة المعيشة لدى أسر المهاجرين. وتتجه الأنظار الآن إلى ما سيحمله العام 2023 لملايين العائلات حول العالم التي تعتمد على التحويلات المالية سنوياً في ظل الجهود الواسعة المبذولة لزيادة معدلات الفقر والركود في اقتصاديات غالبية الدول وسط أزمات سياسية وأمنية خانقة وازدياد شدة المواجهات الدولية بهدف وضع اليد على المواد الأولية التقليدية والحديثة.

أما في ما يتعلق بلبنان، فقد قدّر البنك الدولي حجم تحويلات المغتربين الوافدة إلى لبنان بحوالي 6.8 مليارات دولار في العام 2022 مقارنة مع 6.6 مليارات دولار العام الماضي، ليحل بذلك لبنان ثالثاً على المستوى الاقليمي خلف كلّ من مصر والمغرب. من ناحية أخرى، حصد لبنان المركز الأوّل في المنطقة العربية والثانية عالميّاً بعد تونغا من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الاجمالي، بحيث بلغت 37.8 في المئة في العام 2022 مقارنة مع 53.8 في المئة في العام 2021. وبحسب البنك الدولي، فإن متوسط كلفة التحويلات الوافدة إلى لبنان من بلدان ذات دخل مرتفع من ضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا يزال عالياً جداً.

مع غياب المصادر كافة للايرادات من العملات الأجنبية لا سيما من الصادرات والاستثمار الأجنبي وعائدات قطاع السياحة والخدمات، يعوّل لبنان – ذلك البلد المنكوب داخلياً – على أبنائه في الخارج الذين لطالما شكلوا الدعامة الرئيسة لذويهم وعائلاتهم بصورة مباشرة ولاقتصادهم بصورة غير مباشرة، وذلك عبر ضخهم مليارات الدولارات سنوياً. ومع استمرار الأزمة وازدياد تعقيدها، تبقى هذه التحويلات النقدية الأمل الوحيد لأكثر من نصف الأسر اللبنانية كمصدر أوحد للدولار يساندها في تلبية احتياجاتها الغذائية والسكنية والطبية وغيرها الكثير. وعلى الرغم من أن أموال المغتربين لن تُسهم في الوقت الراهن في خدمة الاقتصاد ووضعه على سكة النهوض من جديد أقله على المدى القصير، لكنها من دون شك تمنح أصحابها قدرة شرائية تمكنهم من تحصين أنفسهم من مخاطر انهيار العملة الوطنية. ومع غياب الخطط الاقتصادية والمالية، تحافظ أموال الاغتراب للعام الثالث على التوالي على أهميتها في صدارة التدفقات المالية الأكثر أماناً مع فقدان الثقة بالقطاع المصرفي الذي كان يُعدّ الجاذب الأول للتحويلات.

شارك المقال