أزمة لبنان الاقتصادية تُشرّع الجرائم

هدى علاء الدين

مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تزداد وتيرتها بفعل اشتداد الأزمة المالية التي أفقدت المواطن اللبناني قدرته الشرائية نتيجة انهيار العملة الوطنية، أصبح تأمين الاحتياجات الأساسية عبئاً ثقيلاً على كاهله، حتى باتت السرقة بدافع الجوع والخطف بهدف الحصول على فدية مالية من أكثر الوسائل شيوعاً في الآونة الأخيرة في بلد يزيد فيه غياب الأمن الغذائي وانعدام العدالة الاجتماعية بالتزامن مع موجة من الضغوط النفسية من ارتفاع معدلات السرقة والخطف والقتل والانتحار.

وفي هذا الإطار، نشرت “الدولية للمعلومات” تقريراً حديثاً حمل عنوان “تحسّن المؤشّرات الأمنيّة باستثناء تزايد الخطف بنسبة 316 في المئة”، أشارت فيه إلى أن المؤشّرات الأمنيّة تحسنت خلال الأشهر الـ 11 الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام 2021. وبالأرقام فقد تراجع صافي عدد السيّارات المسروقة بنسبة 23.4 في المئة، بينما تراجع عدد القتلى بنسبة 8.5 في المئة. كذلك تراجع عدد جرائم السّرقة بنسبة 17.8 في المئة، وعدد حالات الانتحار بنسبة 4.5 في المئة. أمّا جرائم الخطف لقاء فدية، فقد ارتفعت بصورة مطّردة، إذ بلغ عددها 50 جريمة بعد أن كانت 12، لترتفع بذلك بمعدل 38 جريمة عن السابق أي ما نسبته 316.7 في المئة. وبالمقارنة بين شهري تشرين الأول وتشرين الثّاني 2022، فقد تراجع صافي عدد السيارات المسروقة بنسبة 1.5 في المئة، وعدد القتلى بنسبة 38.5 في المئة، بينما ارتفعت جرائم السّرقة بنسبة 17.5 في المئة، ومعدلات الانتحار بنسبة 77.8 في المئة، إلى جانب جرائم الخطف لقاء فدية والتي ارتفعت بنسبة 100 في المئة.

وتعليقاً على الأرقام الواردة أعلاه، أشار مرجع نفسي إلى أن علم النفس غالباً ما يربط العنف بالعدوانية، وبناء عليه يمكن تفسير الظواهر والسلوكيات العنيفة التي تحدث في المجتمع اللبناني بسبب الاحباط الذي يولد الشعور بالكبت والغضب، وذلك نتيجة عدم إشباع الحاجات الأساسية للمواطن وانعدام الشعور بالأمن النفسي والاجتماعي. ويعود السبب الأول وراء كل ما يحدث من جرائم على اختلاف أنواعها إلى عدم توافر الظروف الإقتصادية والمعيشية الملائمة، ونقص الموارد الأساسية، فضلاً عن ازدياد معدلات البطالة والفقر وفقدان فرص العمل، فضلاً عن غياب سلطة القانون والمحاسبة والرقابة التي تؤدي إلى غياب العدالة الاجتماعية وانهيار منظومة القيم وتراجع الرادع الأخلاقي في المجتمع وانتشار الفساد. وتجدر الاشارة إلى أن المواطن اللبناني أصبح يميل إلى إدراك العنف على أنه أمر مقبول وفاعل ومفيد. ونتيجة لذلك، يبرز القهر الاجتماعي النانج عن العوامل المذكورة أعلاه، والذي يتخذ أشكالاً متعددة أبرزها: القتل، السرقة، الانتحار، الخطف والإبتزاز واقتحام المصارف.

شرّعت الأزمة الاقتصادية في لبنان العديد من الظواهر السلبية وزادت من معدلات الجرائم وانتشارها في المجتمع، لا سيما في الأسر ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي المتدني. ومع وجود علاقة وثيقة بين انتشار الجريمة بشتى أنواعها والظروف الاقتصادية السيئة الناتجة عن التضخم والفقر والبطالة وتدني القدرة الشرائية، وعدم قدرة المواطن على توفير الحد الأدنى لتكاليف معيشته بصورة لائقة، ستبقى هذه الجرائم ذات الأبعاد الاقتصادية والمالية في أقصى مستوياتها إلى حين القضاء على جذور الأزمة المسببة لها.

شارك المقال