لبنان يُنعش صناعة الفقر

هدى علاء الدين

لا يزال الفقر في لبنان في أعلى مستوياته مصحوباً بمعدلات تضخم مرتفع وتراجع هائل في الدخل ومصادر الأموال لزوم تأمين الاحتياجات والخدمات الأساسية، يُغذيه انعدام الأمن الغذائي والاجتماعي والفروق الطبقية التي خلّفتها الأزمة الاقتصادية. ومع دخول الأزمة عامها الرابع، لا تزال الأسر اللبنانية غارقة في مستنقعات الفقر، بحيث يتطلب انتشالها منه بناء أطر اجتماعية أكثر متانة لإعالتها وحمايتها من آثار وتبعات الفقر الذي تحوّل إلى كارثة اجتماعية ومجتمعية.

وفي هذا السياق، أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن غالبية السكان في لبنان غير قادرة على تأمين حقوقها الاجتماعية والاقتصادية وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية، بحيث تتحمل الأسر ذات الدخل المنخفض العبء الأكبر، مناشدة الحكومة اللبنانية والبنك الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعي يضمن مستوى معيشياً لائقاً للجميع ويوفر الضمانات الاجتماعية الأساسية مثل إعانات الأطفال والاعاقة والبطالة ومعاشات الشيخوخة.

المنظمة التي أصدرت تقريرها الجديد بعنوان “تزايد الفقر والجوع وسط الأزمة الاقتصادية في لبنان”، سلّطت من خلاله الضوء على المستويات المقلقة للفقر وانعدام الأمن الغذائي نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي وارتفاع تكاليف المعيشة، في ظل فشل السلطة في ضمان حق كل فرد في الحصول على مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الغذاء. وقد شمل المسح الذي أُجري لاعداد التقرير بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، حوالي 1209 أسر في لبنان بهدف جمع معلومات حول الظروف والأوضاع الاقتصادية للأفراد وقدرتهم على تحمل تكاليف الطعام والأدوية والسكن والتعليم، بعد أن سئلوا عما إذا كانوا يتلقون دعماً مالياً أو عينياً من الحكومة أو الجماعات الدينية أو السياسية أو المنظمات غير الحكومية، فضلاً عن التأثير الذي يتركه عدم وجود دخل كافٍ.

وقد أظهر التقرير أن أقل من 5 في المئة من الأسر في لبنان تتلقى مساعدة حكومية، وهي بمعظمها إما أسر تضم شخصاً معوقاً أو أسر تعولها نساء أو أسر ذات دخل منخفض وهي الأكثر عرضة للمعاناة في تغطية نفقاتها. وأفاد 94 في المئة من أصحاب الدخل المنخفض بأنهم يواجهون صعوبة في تأمين الاحتياجات الضرورية، مقابل 26 في المئة من أصحاب الدخل المرتفع، بعد أن أدى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية والارتفاع الهائل في معدلات التضخم وإلغاء الدعم عن الأدوية والوقود إلى زيادة صعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية للكثيرين. كما وجد الاستطلاع أن أربع من كل خمس أسر لديها معيل خسر عمله منذ بدء الأزمة في العام 2019، مع بقاء حوالي 15 في المئة عاطلين عن العمل منذ ذلك الحين، مع الاشارة إلى أن الأسر التي بقي أحد أفرادها عاطلاً عن العمل كانت الأكثر عرضة لمواجهة الصعوبات.

وبحسب المنظمة، فإن الحماية الاجتماعية الشاملة التي تضمن الحق في الضمان الاجتماعي لكل فرد يمكن أن تُسهم في تخفيف الصدمات الاقتصادية وفي ضمان مستوى معيشي لائق، بما في ذلك في أوقات الأزمات. ومع ذلك، فإن نظام الحماية الاجتماعية في لبنان مجزأ للغاية، الأمر الذي يترك معظم العمال غير الرسميين وكبار السن والأطفال من دون أي حماية، ليتعزز بذلك مبدأ عدم المساواة الاجتماعي والاقتصادي. وتعليقاً على التقرير، اعتبرت الباحثة في مجال العدالة الاقتصادية في المنظمة لينا سيميت، أن ملايين الأشخاص في لبنان قد دُفعوا إلى براثن الفقر، إذ أنه وبعد ثلاث سنوات من الأزمة الاقتصادية، لم تتصرف الحكومة بصورة كافية وتركت غالبية المواطنين من دون أي حماية على الاطلاق ولم تعتمد بعد استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تضمن الحق في الضمان الاجتماعي للجميع. فبرامج المساعدات الاجتماعية الحالية والممولة جزئياً من البنك الدولي تستهدف بصورة ضيقة للغاية الأسر التي تعيش في فقر مدقع، في حين تتعرّض شرائح كبيرة للجوع، وهي غير قادرة على الحصول على الأدوية وتخضع لأنواع أخرى من الحرمان التي تقوّض حقوقها مثل الحق في الغذاء والصحة.

من جهة أخرى، ذكر التقرير أن الحق في الغذاء مُهدد بشدة، وانعكس ذلك في آراء الأسر التي أشارت إلى أن نقص الأموال أو الموارد الأخرى كان الدافع الرئيس لفقدان وجباتها أو نفاد الطعام لديها. ففي كل أسرة من أصل أربع أسر كان يتوجب على شخص بالغ فيها أن يتخلى عن وجبة لأنه لم يكن هناك ما يكفي من المال أو الموارد الأخرى للحصول على الطعام، مع الاشارة إلى أن متوسط الدخل الشهري للأسر 122 دولاراً فقط (يبلغ متوسط حجم الأسرة أربعة أشخاص من بينهم طفل واحد أقل من 18 عاماً).

شارك المقال