الليرتان… انهيار واحد في بلدين

هدى علاء الدين

“إذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل في لبنان فعلينا معرفة ماذا يحصل في سوريا”، بهذه العبارة يمكن تلخيص مشهدية العملة الوطنية في البلدين الجارين، إذ تشهد الليرتان اللبنانية والسورية منذ أيام عدة أسوأ انهيار تاريخي منذ بداية الأزمة، بحيث تجاوزت الليرة اللبنانية عتبة الـ 43 ألفاً والسورية حاجز الـ 6000 ليرة للدولار الواحد في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية بوتيرة متسارعة تعكس عمق المعاناة والخلافات السياسية التي أحكمت بثبات على أعناق المواطنين. وعليه، فإن أي انتعاش أو تدهور في الاقتصاد اللبناني سينعكس بالمثل على الاقتصاد السوري والعكس صحيح.

انعكاسات الانهيار تتشابه في البلدين إلى حدّ بعيد أبرزها ارتفاع معدلات الفقر والتضخم والبطالة والاحتكار وانخفاض القدرة الشرائية، وغلاء المعيشة وانعدام الأمن الغذائي والاجتماعي وتفاقم أزمة الثقة بالقطاع المصرفي الذي أجبر حاملي الدولار على الاحتفاظ به بعيداً عن المصارف، فضلاً عن شح في التحويلات الخارجية وفقدان مصادر الدولار الرئيسة. أما أسبابه، فلم تعد خافية على أحد، وتتلخص في عنوانين رئيسين أولهما اشتداد الخناق السياسي، وثانيهما الفشل في إدارة الأزمات وإيجاد الحلول التي تسهم في تخفيف أعبائها. فأزمة الليرة السورية التي تترافق مع تدنٍ غير مسبوق في الرواتب وصلت إلى أقل من 20 دولاراً شهرياً في القطاعين العام والخاص، لا يبدو أنها ستشهد انفراجات في المدى القصير وسط توقعات باستفحالها نتيجة أزمة المحروقات التي تتجدد كل فترة مهددة عمل العديد من القطاعات الحيوية، بالتزامن مع تداعيات الحرب الروسية -الأوكرانية والتوتر مع تركيا وازدياد الاحتجاجات في إيران. ومع ارتفاع الطلب على الدولار في السوق الموازية السورية لزوم استيراد المحروقات وطبع المزيد من الليرة السورية، سيتواصل انهيار العملة إلى حين انتفاء الأسباب الموجبة لذلك. أما في لبنان، فأزمة العملة الوطنية لن يكون مصيرها أفضل من نظيرتها مع دخول البلاد فراغاً رئاسياً وجموداً اقتصادياً جعلا السوق السوداء ومن خلفها الحاكم الأوحد فيها.

ومع توجه لبنان إلى رفع سعر الصرف الرسمي من 1515 إلى 15000 ليرة أي بزيادة 10 أضعاف، يُبقي المصرف المركزي السوري على الـ3015 ليرة كسعر رسمي من دون أي تعديل، وفي كلتا الحالتين ستكون آثار هاتين السياستين النقديتين موضع انتقاد بسبب ابتعاد السعر الرسمي عن السعر الحقيقي في السوق السوداء الذي يؤدي حكماً إلى إضعاف العملتين محلياً بعد أن خسرتا أكثر من 90 في المئة من قيمتهما منذ عقود.

ضغطت الأزمة السورية على مدى أعوام على الاقتصاد اللبناني بصورة مباشرة وغير مباشرة، بدءاً من التهريب المتفلت عبر الحدود للمحروقات والسلع الغذائية المدعومة والأدوية وصولاً إلى تأمين كميات كبيرة من الدولار من السوق الموازية اللبنانية إلى الداخل السوري. فترابط الاقتصاد والسياسة بين البلدين والتشابك الجغرافي جعلا لبنان مصدراً مهماً للدولار بمساندة محلية عملت على سدّ حاجة الاقتصاد السوري الذي أثقلت كاهله الحرب الداخلية والعقوبات الغربية المفروضة عليه، ووجد في لبنان المنهك أصلاً منفذاً لكل ما يحتاجه.

بين اقتصاد سوريا الاشتراكي واقتصاد لبنان الليبرالي قاسم مشترك يتمثل في سياسة البلدين وفي غياب الرؤية الاقتصادية (سواء عن جهل أم قصد) التي تدفع باتجاه أخذ قرارات عشوائية لا تحلّ الأزمة من جذورها بل تعمل على تأخير معالجتها لتتحول بذلك الأزمة إلى أزمات والمعضلة إلى معضلات. ولعلّ أخطر ما في الأمر هو التأقلم مع هذه الأزمات والتعايش معها كواقع لا يمكن تغييره لتغطية الفشل والعجز في احتواء تداعياتها بانتظار التسويات الاقليمية التي لم يتّضح توقيت نضوجها بعد.

شارك المقال