2022: عام ترحيل الأزمات

هدى علاء الدين

يطوي لبنان بعد أيام قليلة عام 2022 وسط فراغ رئاسي بحكم الأمر الواقع وانهيار غير مسبوق لليرة اللبنانية التي سجّلت ارتفاعاً بمعدل 17000 ليرة للدولار الواحد في غضون عام لتصل إلى 47000 ليرة في السوق السوداء، وتبقى بذلك أمنيات كبح الانهيار حبراً على ورق. فلبنان الذي ورث العديد من تحديات العام الماضي، لم ينجح في مواجهة أي منها حتى باتت الأزمة اللبنانية الأكثر تعمقاً وتجذراً. وعلى الرغم من تسجيل نمو محدود بنسبة 2 في المئة بعد فترة من الانكماش بفضل زيادة تحويلات المغتربين وتحسن النشاط السياحي، إلا أن هذا النمو المصطنع لا يمكن أن يضع الاقتصاد على سكة النهوض ما لم تتخذ إجراءات ملموسة تبدأ بها عملية التعافي بعيداً عن قيود المصالح السياسية.

لم يختلف هذا العام عن سابقه، فغياب النية لاجراء الاصلاحات الهيكلية، كان العنوان الأبرز على مدى اثني عشر شهراً مقابل إصرار السلطة على تمويل خزينتها العاجزة بأموال اللبنانيين، فكانت موازنة العام بعيدة كل البعد عن الواقع الاقتصادي والمالي، حتى أن زيادة رواتب القطاع العام من دون توافر أي إيرادات مالية كافية أو ضوابط ضرورية للجم التضخم أسهمت بصورة رئيسة في زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. ومع فشل مجلس النواب في إقرار قانون “الكابيتال كونترول” وبقائه تائهاً في اللجان النيابية، تتجه الأنظار إلى سعر الصرف الجديد وتداعياته على الضرائب بمختلف أنواعها بعد أن تضاعف 10 مرات، في الوقت الذي تبدّدت فيه وعود الكهرباء التي ازدادت تعرفتها إلى حين تأمين الفيول وصيانة المعامل، ليكون العام 2022 عاماً آخر من دون تيار كهربائي. أما على المستوى المعيشي والاجتماعي، فلا يبدو أن الأفق يحمل معه أي تحسن ملحوظ خصوصاً وأن الوضعين لا يزالان أسيري انهيار العملة الوطنية وازدياد معدل التضخم الجنوني الذي ارتفع إلى 1400 في المئة منذ بداية الأزمة مسهماً بصورة مباشرة في ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.

إذاً، غرق لبنان هذا العام في متاهات اللعبة السياسية من جديد، تاركاً الأزمات الاقتصادية التي لم تهدأ وتيرتها منذ العام 2019 في مهب الريح، في ظل غياب السلطات الثلاث (الرئاسية والتنفيذية والتشريعية) جراء الخلافات والمناكفات التي عطّلت دورها الطبيعي في قيادة البلاد إلى بر الأمان. ومع اقتراب قدوم العام 2023، لا تزال الاستحقاقات الاقتصادية مجهولة المصير لا سيما لناحية استكمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والبدء بإعادة هيكلة المصارف والدين العام، وإعداد الموازنة الجديدة بناءً على سعر الصرف الرسمي الجديد، وزيادة إيرادات الدولة بعيداً عن القرارات العشوائية التي تضر بالمواطن اللبناني وهي من أكثر التحديات التي سيواجهها لبنان في العام المقبل خصوصاً وأن موارد الحصول على الأموال لا تزال شحيحة في ظل غياب أي من الاجراءات التي تمكن الدولة من استعادة قدرتها المالية. أما التحدي المتعلق بأموال المودعين، فسيكون لمسار إعادة هيكلة المصارف وتحديد الفجوة المالية وتقاسم الخسائر بين جميع الأطراف بصورة عادلة الكلمة الفصل لمعرفة مصير هذه الأموال لا سيما أن العام المقبل سيشهد تدقيقاً لميزانيات 14 مصرفاً.

مرة جديدة خسر لبنان عاماً بأكمله بسبب سياسية ترحيل الأزمات تارة إلى ما بعد انقضاء العهد وطوراً إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ليودّع اللبنانيون عام 2022 بالقليل من الأمل والكثير من الخوف والترقب لعام قادم مجهول المصير.

شارك المقال