عيدية الحاكم

هدى علاء الدين

قبل أيام من نهاية العام، قرر مصرف لبنان معايدة اللبنانيين على طريقته الخاصة، فأصدر بياناً جديداً معلناً فيه رفع سعر منصة “صيرفة” من 31200 إلى 38000 ألف ليرة، ليُشكل هذا البيان في التوقيت والمضمون مفاجأة من العيار الثقيل في سوق الصرف، الذي شهد انخفاضاً ملحوظاً في سعره. وعلى الرغم من أن تدخل “المركزي” كان متوقعاً – كما جرت العادة – من أجل خلق صدمة تُجبر الدولار على التراجع الوهمي بهدف لجم الارتفاع غير المبرر وتهدئة السوق قبل البدء بجولة جديدة من المسار التصاعدي، الا أن رفع سعر المنصة بين ليلة وضحاها أكثر من 4000 آلاف ليرة ستكون له انعكاسات وتداعيات تظهر تباعاً، غير أن المستفيد الوحيد سيبقى مصرف لبنان الذي اشترى الدولار بوتيرة متصاعدة على سعر السوق السوداء مقابل بيعه غداً على سعر “صيرفة”.

إذاً، قرار “المركزي” الذي أعلن فيه ارتفاع سعر منصة “صيرفة” انعكس مباشرة على سعر الصرف في السوق السوداء، التي شهدت حالة من التذبذب بين الصرافين، فمنهم من قرر بيع الدولار على سعر 40000 ليرة ومنهم على سعر 42000 ليرة ومنهم من امتنع كلياً عن البيع والشراء. أما لناحية عمليات “صيرفة” والمحددة بـ 400 دولار شهرياً، فسيواجه المستفيدون منها تراجعاً في هامش ربحهم إلى النصف تقريباً في حال استقرّ سعر الصرف في السوق الموازية على ما هو عليه، وهذا ما يطرح العديد من التساولات حول مصير هذه العمليات ومدى استمرارها.

عملياً، أثبت مصرف لبنان مرة جديدة قدرته على التحكم بسعر الصرف وامتلاكه الأدوات اللازمة للسيطرة على السوق لناحية العرض والطلب عند ارتفاع الدولار بوتيرة غير مبررة، مع كثرة الحديث عن عودة تهريب الدولار خارج الحدود. فعلى مدى عامين أجاد شراء الدولار وبيعه كما يشاء ومتى يشاء، ناجحاً مراراً وتكراراً في خفض سعر صرف الدولار بصورة مؤقتة، بحيث تبقى العبرة في الأيام القليلة المقبلة لمعرفة ما إذا كان سيحافظ الدولار على استقراره أم أنه سيعاود الارتفاع من جديد. وفي كلتا الحالتين سيكون “المركزي” قد نجح في تحيقق خطوة إلى الأمام لناحية البدء بتوحيد أسعار الصرف وجعل سعر منصة “صيرفة” السعر المتداول عوضاً عن سعر السوق السوداء.

في ظل عملية الهرج والمرج التي تجتاح سوق العملة الخضراء، يُحسب لمصرف لبنان تمكنه من جعل اللبنانيين رهينة التقلبات في سعر الصرف وسعر منصة “صيرفة” مع ترك هامش للربح كفارق بين السعرين، بحيث يجد في كل مرة يرتفع فيها الدولار فرصة سانحة لتمرير قرارات تكون انعكاساتها على المدى المتوسط والطويل أخطر بكثير من انعكاساتها في المدى القصير. وعليه، فإن انخفاض سعر الدولار لن يدوم طويلاً ما دامت أسبابه قائمة، وبات مستعداً لقفزة مجنونة متى يُسمح له بذلك. لكن الأخطر في كل ذلك يبقى سعر منصة “صيرفة” الذي يُخشى أن يكون بداية لسعر صرف رسمي جديد يتخطى بكثير الـ 15000 ليرة.

شارك المقال