تحديات القطاع المصرفي… 2023 عاصف

تالا الحريري

عام 2022 كان حافلاً بإقتحامات المودعين للمصارف من أجل الحصول على ودائعهم بالتهديد والترهيب والتخويف، بعدما حمّلت الدولة مسؤولية الأزمة للمصارف إلى أن شحت سيولتها، ما جعلها تحدد سقفاً للسحوبات المالية. وبين الاستقبال المشروط والسحب المشروط لم تعد ماكينات الصراف الآلي تستوعب العدد الهائل من الناس.

تقرير “مرصد الاقتصاد اللبناني” أشار إلى الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية الذي سجل 145% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2022 ما أدّى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ تموز، لافتاً الى أن معدل التضخم من بين أعلى المعدلات عالمياً، وبات لبنان من أكثر البلدان تضرراً من التضخم الذي طرأ مؤخراً على أسعار المواد الغذائية.

أوضح الاختصاصي في الاقتصاد المصرفي أحمد قاسم لـ”لبنان الكبير” أنّ “لدينا تحديات كبيرة في سنة 2023 وأبرزها سياسية ترتبط بالاقتصاد لأن ارتباطها وثيق جدّاً. أولاً يمكننا القول إنّ لدينا زيادة في حجم الديون المتعثرة في المصارف، فلنفترض أنّ لدينا مليون دولار دين متعثر يجب أن تتكون مؤونات مليون دولار، والمؤونات مفروضة في القانون وتتكون لكل دين متعثر، فعادة عندما يتخطى الدين المتعثر الـ 90 يوماً في المصارف يجب أن نكوّن له مؤونة”.

وأشار الى أن “هناك مؤونات اجمالية على المحافظ الائتمانية للقروض، أي اذا تعثرت الديون 30 يوماً، فلها مؤونة معينة، وهناك نسب موجودة في القانون. وهذه المؤونة تأخذها المصارف من أرباحها وبالتالي الديون المتعثرة تشكل عقبة أمام تقدم المصارف لأن المصرف في النهاية يكون ملزماً بأن يقتطع من أرباحه وبذلك تقل هذه الأرباح. والديون المتعثرة اذا لم تُحصّل تبقى المؤونات مجمّدة جانباً، يعني المصرف يكون قد حرم من دوران الأموال أو سيولتها لديه، والقروض في النهاية غالبيتها ودائع للناس وضعت واستثمرها المصرف، وليس كما يقال إنّها موجودة لدى مصرف لبنان وتصرّف بها أو حُجزت”.

وتمنى قاسم “أن تشكل لجان لتعالج موضوع الديون المتعثرة التي تعتبر من أخطر التحديات التي تواجهها المصارف في الـ2023، عدا عن موضوع فيروس كورونا وتأثيره والفترة التي توقف فيها الناس عن أعمالهم، هذا كلّه أدّى إلى ارتفاع الديون المتعثرة، فقد كانت نسبتها سابقاً لا تتعدى الـ7 – 8% والآن لم تعد هناك إحصاءات دقيقة لأنّ مصرف لبنان لا يعطيها لنا في هذا الموضوع”.

وقال: “لدينا إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في أيار 2023 وهناك الكثير من القوى التي ترفض أن يتولى نائب الحاكم صلاحياته، ولا أعتقد أن هناك إتفاقاً على حاكم جديد في ظل شغور مركز الرئاسة وتعطّل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وموضوع هذا الشغور يؤثّر على عملية إعادة هيكلة المصارف التي نطلبها، والتي تحتاج الى قانون يصدر من مجلس النواب لكننا لا نزال بعيدين عن ذلك، وهذا كلّه يرتبط مع صندوق النقد الدولي واذا تم الاتفاق معه فسنشهد القليل من الانفراجات، ولكن للأسف لا أعتقد أنّ الاتفاق سيتم لأن صندوق النقد طلب العديد من الأمور، فعدا عن موضوع شطب ودائع المودعين أو استثمار أموال الدولة عن طريق بيعها، هناك إعادة هيكلة المصارف وهي تحتاج الى قانون من مجلس النواب، اجراء تدقيق الميزانيات لـ١٦ مصرفاً كبيراً، تعديل قانون السرية أيضاً يحتاج إلى توافق، وضع استراتيجية لاعادة هيكلة الديون وهذه تحتاج إلى قرار حكومي، ونحتاج إلى حكومة تكون قادرة على أن تسيّر الأعمال لكن حتى الآن لا شيء واضح في الأفق. صار لدينا عجز وتضخم يتخطى الـ1400 – 1500 ومع اعتماد دولار الـ 15 ألف ليرة هناك الكثير من الأمور ستظهر. هناك أيضاً التحديات المعيشية في ظل غياب تعديل الرواتب وهذه ستؤثر كثيراً على القطاع المصرفي وسنشهد اقتحامات كثيرة كذلك حتى تحصّل الناس أموالها”.

أضاف: “الودائع على الأوراق هي بحدود الـ100 – 110 مليارات، وفي الحقيقة ليس هناك سوى 10 مليارات، أين اختفى المبلغ الباقي؟ لا أحد يعرف. هناك الكثير من الأمور تحكى عن أنّه سيتم تحميل المصارف قسماً والمودعين قسماً والدولة، أي من المفترض أن يكون هناك توافق سياسي لناحية من سيتحمل هذه الخسارة. رأس مال المصارف تقريباً 20 مليار دولار وهناك 70 ملياراً خسائر في القطاع المصرفي، وفي ظل الشغور نحن مكملين بالدولار صعوداً وبالتالي عام 2023 سيكون عاصفاً”.

وأكد أن “لدينا ذهباً اذا استثمرناه في مشاريع منتجة يمكن على المدى القريب – المتوسط أن نجد حلولاً لأنّ أزمتنا ليست فيها حلول سحرية، لذلك نريد حلولاً جذرية، وأن تكون هناك قطاعات منتجة. يمكننا البدء بموضوع الكهرباء وننتقل الى أمور أخرى، وأن نحارب موضوع الفساد ولو قليلاً لنتخلص من أمور عدة”.

شارك المقال