شروط الاصلاح الخمسة

هدى علاء الدين

تستمر أزمة لبنان الاقتصادية في منحاها التصاعدي وسط غياب متعمد للاجراءات الاصلاحية التي تُعدّ المدخل الرئيس لأي حل مرتقب ولمبدأ المساءلة والمحاسبة لمعرفة الجهات التي أوصلت لبنان واللبنانيين إلى هذه المرحلة المتقدمة من الانهيار واللامسؤولية. فالسؤال عن المحاسبة ومن أين تبدأ ومن يجب أن تستهدف بالدرجة الأولى وكيف السبيل إلى تحقيقها بات الجواب عنه أمراً ضرورياً لا سيما وأن لبنان لم يعد قادراً على الاستمرار في تحمّل تبعات أزماته. وللإجابة عن هذا السؤال، نظّمت كل من “الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين”، و”كلنا إرادة”، و”مرصد حقوق المودعين”، و”مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف”، و”المفكرة القانونية”، لقاءً بعنوان “المحاسبة عن الأزمة المالية: 5 شروط لأي إصلاح” أعلنت خلاله عن خمسة إصلاحات تُشكل المداخل الأساسية لمساءلة المسؤولين عن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ومحاسبتهم، مع التعهد بالعمل على مواكبة العمل التشريعي لإقرارها والضغط على عملية صناعة القرار بما يخدم مصلحة الوطن وينقذه من أتون الفساد والفشل.

ويشمل الإصلاح الأول التدقيق في الحسابات المصرفية كمدخل وحيد لتحديد الودائع المؤهلة، على أن يتم التمييز بين الودائع ذات المصادر النظيفة والشرعية/القانونية والودائع غير الشرعية/غير القانونية التي تغطّي مالاً قذراً أو مُكتسبة بصورة غير مشروعة أو مخالفة للقوانين المرعية ولا سيما الضريبية والمالية والتجارية، وهو شرط أساس لتحديد الودائع المؤهلة للاسترداد على أن الودائع النظيفة/الشرعية الوحيدة المؤهلة لأي عملية استرداد و/أو حماية خلال تطبيق خطّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي. هذا فضلاً عن قانون رفع السرية المصرفية الذي يعتبر أساسياً في خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، للتمكن من التدقيق في الحسابات كافة وتحديد الودائع الجديرة بالحماية و/أو المؤهلة لأي عملية استرداد ودائع.

أما الإصلاح الثاني فيتعلّق بالتدقيق الجنائي بهدف تحديد المسؤوليات وكشف الجرائم المالية وغير المالية وتحديد مصادر الأموال ومدى تطابقها مع التشريعات المحلية والمعاهدات التي وقع عليها لبنان والمعايير العالمية، بالتزامن مع التحقيق في العمليات المصرفية المشبوهة الناتجة عن أو المرتبطة بعمليات إفلاس احتيالي أو إساءة أمانة أو اختلاس أو غش واحتيال أو استغلال للمعلومات المميزة و/أو إفشائها أو تبييض أموال أو عمليات تهرّب ضريبي. بالإضافة إلى التحقيق بالتحويلات المصرفية التي تمّت بعد 17 تشرين الأول 2019، والتدقيق بحسابات الموظّفين العموميين الذين يخالفون موجب تقديم كشوفات الذمّة المالية المنصوص عنها في قانون الإثراء غير المشروع والتصريح عن الذمّة المالية وتحديد الحسابات التي استفادت من الفوائد والأرباح والمكافآت المُضخمة منذ وقوع الحساب التجاري بعجز وذلك قبل أي عملية استرداد للودائع.

الإصلاح الثالث ينص على إنشاء هيئة مصرفية مستقلة لقيادة خطة إعادة هيكلة المصارف وحوكمة جديدة للقطاع المالي عبر تعيين قيادة جديدة على مستوى حاكمية مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة وفقاً للمادة 19 من قانون النقد والتسليف، وإخضاع لجنة الرقابة على المصارف للمحاسبة عن التقصير في دورها الرقابي والتنظيمي والعقابي تجاه استغلال بعض المصارف لعملائها وزبائنها وعدم تجاوبها مع الشكاوى المقدمة. وكذلك تغيير الهيئة المصرفية العليا على مستوى الحوكمة على أن تضم ممثلين عن المجتمع المدني والهيئات الأكثر تمثيلاً فيه واختصاصيين، ومنحها الاستقلالية اللازمة والصلاحيات المناسبة والضرورية لادارة خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإلّا تشكيل هيئة خاصة لقيادة خطة إعادة هيكلة المصارف مؤلّفة من أعضاء كفوئين وموثوقين. مع الاشارة إلى تعديل قانون النقد والتسليف لحل تضارب المصالح بين واضعي السياسات المالية وواضعي القواعد الاحترازية لتدارك المخاطر المالية.

ويتضمن الإصلاح الرابع تجميد إدارات المصارف الحالية والحجز على أصولها بانتظار إقرار خطة إعادة الهيكلة، واستبدال الادارة المصرفية بما تضمه من مجالس إدارة ومدراء تنفيذيين ومفوضي مراقبة، بلجان إدارية تضمّ ممثلين عن الدائنين والمودعين والمساهمين مسؤولة عن حماية أصحاب الحقوق. كذلك الحجز على الأصول والأموال الخاصة لأعضاء مجالس إدارة المصارف ومدرائها التنفيذيين ومدقّقيها في لبنان والخارج إلى حين إنجاز التدقيق الجنائي.

وأخيراً، تأتي محاسبة صنّاع القرار في القطاع المالي كإصلاح ضروري، عبر الإسراع في إقرار اقتراحي قانون استقلالية القضاء العدلي والقضاء الاداري على نحو يضمن استقلالية فعلية للهيئات القضائية وفق المعايير الدولية، وتطبيق خطّة مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة التي أقرّتها الحكومة اللبنانية عام 2020 لتحديد المسؤوليات الناتجة أولاً عن الفساد وهدر المال العام، وثانياً عن سوء الادارة والاهمال في إدارة الموارد العامّة والودائع المصرفية واسترداد ما يمكن من الأموال المهدورة والمكتسبة بصورة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة. بالإضافة إلى تحريك التدقيق الضريبي والتدقيق الجنائي على عقود الصفقات العامة كافة التي تمّت بين الادارات والأشخاص الطبيعيين والمعنويين لكشف أي هدر أو احتيال، وتفعيل الرقابة الداخلية عبر تمكين الأجهزة الرقابية كديوان المحاسبة والتفتيش المركزي من القيام بمهامها والاعلان عن النتائج بصورة شفّافة وطبقاً لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017.

شارك المقال