مصرف لبنان يُمهّد لدولار “صيرفة” كسعر رسمي

هدى علاء الدين

يستعد لبنان لتوديع مرحلة نقدية على سعر صرف 1500 بعد أن دامت سنوات طويلة ليستقبل مرحلة جديدة سيتضاعف فيها الدولار الرسمي 10 مرات ليبلغ 15000 ليرة عملاً بقرار مصرف لبنان. القرار الذي سيبدأ تنفيذه مطلع الشهر المقبل، ستسبقه سلسلة تعاميم توضح آلية تنفيذه لناحية سقف السحوبات وكيفية دفع القروض التجارية وغيرها الكثير من المعاملات والاجراءات.

وعما إذا كانت المصارف اللبنانية مستعدة لهذه الخطوة، أوضح الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن المصارف على استعداد لتفيذ قرار “المركزي” لا سيما وأنها تمنح اليوم الدولار للمودع على سعر صرف 12000 و8000 و1500، معتبراً أن دولار الـ 15000 سيخفف من تعددية أسعار الصرف وسيسهل من تعاملات المصارف وبالتالي لن تواجه أية مشكلات لناحية سعر الصرف الرسمي الجديد.

ووفقاً لمارديني، فإن المشكلة الأساسية تكمن أولاً في تحديد سقف السحوبات وفي القيمة التي سيستطيع المودع سحبها من وديعته، وثانياً في الطريقة التي سيتم التعامل بها مع المودع إذا ما أراد سحب ما يتجاوز قيمة السقوف المحددة. فهل سيتم إعطاؤه القيمة المتبقية التي يريدها على سعر صرف آخر أو على الـ 1500 أم ستفرض عليه غرامة مالية معينة؟ مؤكداً أن هذا الأمر مهم جداً من أجل فهم أثر سعر الصرف الجديد على التضخم، خصوصاً وأن “المركزي” يُحاول كبح معدلاته عن طريق ضبط الكتلة النقدية عبر تقليص سحوبات المودعين بالليرة كي لا يتم اللجوء إلى السوق السوداء وشراء الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد الطلب عليه وارتفاع سعره. وانطلاقاً من هنا، يبقى سقف السحوبات النقطة الرئيسة التي يجب النظر إليها في التعميم القادم، باعتبار أن المصرف سيمنح الأموال للمودع على سعر صرف أعلى، ما سيزيد من كمية السحوبات لكنها ستبقى حتماً مقيدة بالسقف الذي سيقرره مصرف لبنان.

وإذ رأى مارديني أن تحديد سعر الصرف الرسمي بـ 15000 في حين أنه يصل في السوق السوداء إلى حوالي 48000، يُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح لتوحيد أسعار الصرف المتعددة لكنها تبقى بعيدة عن الحقيقة، لأن الحقيقة تتطلب أن يكون سعر صرف الدولار كما هو في السوق الموازي، أكد أن لا مفر أو مهرب من توحيد أسعار الصرف لأنها ضرورية من أجل إنعاش الاقتصاد اللبناني وجذب الاستثمارات وبداية الخروج من الأزمة، إلا أنه كلما تأخّر لبنان في تطبيق سياسة التوحيد كلّما كان ذلك مؤذياً. وعليه، فإن تطبيق سعر الصرف الرسمي الجديد سيكون الخطوة الأولى في هذا الاطار، متوقعاً أن يتبع ذلك خطوة ثانية بعد موازنة العام 2023 تتمثل في إعادة رفع سعر الصرف الرسمي وفقاً لمنصة “صيرفة” من أجل توحيد أسعار الدولار كافة، حينها ينتهي لبنان من سعر صرف الـ 1500 و8000 و12000 و15000 بصورة نهائية.

وشدّد مارديني على أن هذا الاتجاه سيكون مزعجاً ومؤلماً إلا أنه حتمي نتيجة انهيار سعر صرف العملة الوطنية، ولا بدّ من أن يلحق سعر الصرف في السوق السوداء هذا الانهيار، مشيراً إلى أن المحزن في الأمر هو مسؤولية السياسات النقدية عن انهيار سعر صرف الليرة، خصوصاً وأن رفع سعر الصرف الرسمي إلى 15000 جاء نتيجة السعر المرتفع في السوق السوداء جراء طباعة “المركزي” كميات ضخمة من الليرة التي تضاعفت في الأشهر الستة الأخيرة من أجل شراء الدولار مساهمةً بصورة مباشرة في زيادة سعره. وعليه، فإن المصرف المركزي يقف وراء ارتفاع سعر صرف الدولار ويرى نفسه مجبراً على رفع سعر الصرف الرسمي لكي يصبح قريباً من السعر الحقيقي في السوق السوداء.

كان من الأفضل ألا يتم ضخ هذه الكميات من الليرة في السوق كي لا يرتفع سعر صرف الدولار، يقول مارديني، والسؤال هنا هو لماذا يتم ضخ الليرة؟ ليعود ويختصر الجواب بثلاثة أسباب رئيسة تؤدي جميعها إلى انهيار سعر صرف الليرة وإفقار اللبنانيين لأنه في نهاية المطاف كلما ارتفع الدولار كلما تقلّص الدخل وتراجعت قيمته الشرائية: أولى هذه الأسباب هي تمويل عجز الموازنة العامة، إذ لا تزال الحكومة تصرف بطريقة غير منطقية وتزيد من الرواتب والأجور من دون امتلاكها القدرة المالية، فتطلب من “المركزي” طباعة الليرة من أجل ذلك. أما السبب الثاني فيعود إلى تخلّف المصارف اللبنانية عن الدفع لمودعي الدولار، لذا يلجأ “المركزي” أيضاً إلى طباعة الدولار من أجل سحوبات المودعين. وأخيراً، يطبع مصرف لبنان الليرة لنفسه من أجل شراء الدولار كي يدعم احتياطاته ويطبق سياسة التعويم الموجه.

شارك المقال