جنون الدولار يتواصل… والمستفيدون كُثر

هدى علاء الدين

إنه عصر جنون الدولار بلا أي منازع أو رادع، جنون فاق كل التوقعات والتحذيرات حتى أخذ العملة الوطنية إلى ما هو أبعد من الانهيار بكثير بعد أربع سنوات على بداية أزمة لبنان المستعصية.

بوتيرة عالية ومتسارعة وبخطى ثابتة، دخل الدولار هذا الأسبوع منعطفاً خطيراً مسجلاً ارتفاعاً غير مسبوق تخطى عتبة الـ 55 ألف ليرة في السوق السوداء على وقع جنون سياسي وقضائي وصل إلى ذروته.

مُسببات سعر هذا الصرف الجنوني وغير المألوف لا تُعدّ وجميعها باتت معروفة ومعلنة وفي بعض الأحيان مقصودة، لزوم الحاجة إلى العملة الخضراء التي تواجه شحاً في العرض مقابل تهافت مخيف على طلبها مهما كان ثمنها. ومع استعداد لبنان لمرحلة الدولار الرسمي الجديد وبدء التحضيرات اللوجستية لذلك، يبدو واضحاً أن مصرف لبنان سيكون أمام مهمة صعبة لتفادي أي انعكاسات كارثية، بحيث يخوض من جديد امتحاناً صعباً عنوانه كيفية التدخل في السوق لوقف المسار التصاعدي للدولار، علماً أن مفعول تدخله لم يعد يدوم طويلاً بسبب تقلص قدرته على لجم الانهيار النقدي من دون أي مساندة رسمية أو حكومية أو وزارية، ليخسر “المركزي” رهانه على أي إجراء إصلاحي يخفف من أعباء انهيار الليرة عليه مقابل انتعاش السوق السوداء التي تشهد تهافتاً بصورة لافتة إما لبيع الدولار خوفاً من تدخل “المركزي” بصورة مفاجئة وخفض سعره، أو من أجل شرائه في ظل توقعات بالمزيد من الارتفاع في الفترة المقبلة.

وفي الوقت الذي طالت سهام انهيار الليرة اللبنانية الاقتصاد في أعماقه، وجد الكثيرون في ارتفاع سعر صرف الدولار فرصة لتحقيق مكاسب مالية طائلة مستفيدين من حالة الفوضى العارمة التي تُسيطر على الأسواق النقدية والمالية والقطاع المصرفي. فقد أفرز سعر الصرف فئة كبيرة من المستفيدين الجدد تشمل مصرفيين وصرافين ومضاربين ومستوردين وأصحاب شيكات وتجار عملة، مقابل فئة خسرت في ارتفاعه قيمة ودائعها وقدرتها الشرائية حتى أنها باتت تجد صعوبة في الحصول على ما يلزمها من الدولار لمواكبة ارتفاع الأسعار، وهذا ما يبرر بصورة ملحوظة هدوء الشارع تماماً من أي اعتراضات شعبية (باستثناء تحركات فردية خجولة) كما كان يحصل سابقاً، بعد أن تأقلم اللبنانيون مع قفزات الدولار الجنونية إن لم نقل باتوا ينتظرونها أو يتمنون حصولها خدمة لغاياتهم ومصالحهم المختلفة.

إذاً، مع محاولات “المركزي” محاصرة الدولار في السوق الموازية عبر منصة “صيرفة” التي من المتوقع أن تشهد ارتفاعاً جديداً في الأيام القليلة المقبلة بعد أن تجاوز هامش الربح بينها وبين سعر الصرف في السوق السوداء الـ 16 عشر ألف ليرة، لا تُظهر المؤشرات الحالية أي أمل في أن يكون ارتفاع الدولار هو الارتفاع الأخير، لا سيما وأن الجزء الأكبر من الأزمة يدور في فلك الصراع السياسي وانعدام أفق الحلول بالتوازي مع عدم دخول عملة خضراء كافية لتلبية احتياجات لبنان من الدولار، علماً أن دولار المغتربين والتحويلات الفريش لا تكفي للنهوض بالاقتصاد الوطني بل هي جرعة صمود للعائلات لا أكثر. ومع سيطرة السوق السوداء وتحكمها بصورة مباشرة بسعر الصرف وفشل مصرف لبنان حتى الآن في موازاة سعر منصة “صيرفة” بسعر السوق الموازية، ستبقى عمليات الكرّ والفرّ بين السعرين اللذين يحلقان عالياً مع ابتعاد لبنان عن المسار التصحيحي الذي يجب اتباعه من أجل السيطرة على سعر الصرف وإعادته إلى مستوياته المقبولة.

شارك المقال