ملف الدعم “ضائع” و”المركزي” يرفع الصوت مجدداً

المحرر الاقتصادي

غريب أن يبقى موضوع ترشيد الدعم مجهول المصير على رغم المناشدات المتكررة المحلية والخارجية لوجوب ايجاد حل لهذا الملف الذي يستنزف احتياطات مصرف لبنان من العملات ولاسيما التوظيفات الإلزامية التي هي ملك المودعين.

الاتجاه سيكون نحو الغاء الدعم عن المواد الأساسية التي تكبد مصرف لبنان حوالي 5.8 مليارات دولار سنوياً، فيما احتياطاته من العملات تتراجع باستمرار لتصل الى 15.77 مليار دولار وفق وضعيته نصف الشهرية في 16 حزيران الحالي تراجعاً من 16.07 مليار دولار في آخر شهر أيار (بعد حسم محفظة سندات اليوروبوندز التي يحملها مصرف لبنان والبالغة بحسب النشرة الرسمية 5.03 مليارات دولار).

فطيلة الأشهر الماضية، عُقدت اجتماعات عديدة في السراي. هدفت، كما كان يعلن، إلى ترشيد الدعم، بمعنى خفضه تدريجياً، في مقابل اعتماد بطاقة نقدية لحماية الفئات الأكثر هشاشة. لكن الحكومة لم تقم بأي اجراء فيما كانت أعداد الناس التي باتت فقيرة تزداد بسرعة وحاجاتهم الأساسية باتت مفقودة من الأسواق. فقد فضّلت الحكومة أن تترك “هذه القنبلة” إلى الحكومة المقبلة، إلى أن وصلت الاحتياطات القابلة للاستخدام لدى مصرف لبنان إلى مستوى لم تعد معه مسألة ترشيد الدعم ممكنة، كون هامش تدخله في هذا الملف بات ضيقاً جداً.

من هنا، جاء تجديد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه دعوته حكومة تصريف الأعمال الى إقرار خطة لترشيد الدعم، “ما يؤدي إلى حماية العائلات الأكثر حاجة ويضع حداً للتهريب المتمادي على حساب اللبنانيين، ويشدد على أنه لن يستعمل التوظيفات الإلزامية، وعلى أن الدفعات التي يقوم بها حالياً هي من ضمن الفائض عن التوظيفات الإلزامية”، وفق بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.

كما نص البيان على أنه “على صعيد الأدوية، لا يزال مصرف لبنان ينتظر الأولويات التي ستحددها وزارة الصحة لتبليغها للمصارف، علماً أن تعاطي مصرف لبنان يقضي ببيع الدولارات على السعر الرسمي إلى المصارف، ولا علاقة له مباشرة بالمستوردين”.

ويؤكد المصرف المركزي وجود فائض من مادة البزين تنتفي معه أسباب الطوابير التي لا تزال تتكون بالقرب من محطات البنزين. إذ قال إنه “تمّ دفع ما يقتضي إلى المصارف لتلبية الاعتمادات والكميات الموجودة حالياً كافية. والمسألة موضوع متابعة ما بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان ولجنة الأشغال في مجلس النواب لوضع خطة ترشيدية تؤمن الاستمرارية”، لافتاً إلى أن الفائض الموجود حالياً هو فائض مريح للبلد”.وتوجه الى الشركات بأن تقوم بواجباتها كما يقتضي الأمر، مجدداً التأكيد أن الكميات المطلوبة متوافرة.

وكان مصرف لبنان وجه في نيسان الماضي كتاباً (وليس الأول) إلى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أشار فيه إلى أن “مصرف لبنان يرى أنه أصبح من الملحّ قيام الحكومة، وبشكل سريع، بوضع تصوّر واضح لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها كي تضع حداً للهدر الحاصل وضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، والعمل على المساهمة في تأمين واردات بالعملات الصعبة لتغطية تكلفة الدعم”.

إذا كانت الكميات متوافرة كما جاء في بيان مصرف لبنان، فهذا يعني أن عمليات التهريب إلى خارج الحدود وتحديداً إلى سوريا لا تزال تحصل على قدم وساق على رغم إحباط الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية عمليات تهريب عديدة.

وهو ما أظهرته دراسة وضعها عدد من الاقتصاديين، التي قالت بما حرفيته: “يخرج كل يوم حوالي 12.2 مليون دولار من الودائع في المصرف المركزي لدعم استيراد الوقود والقمح والسلع الأخرى، ويتراكم هذا الرقم ليبلغ 4.445 مليارات دولار كل عام. أما الغرض المُعلن من هذه الإعانات فهو تخفيف عبء شراء هذه الأصناف عن المواطنين اللبنانيين العاديين، لا سيما الفقراء منهم والمحتاجين. ومع ذلك، ووفقًا لأكثر التقديرات تفاؤلاً، فإن 2.4 مليوني دولار على الأكثر من هذا الدعم اليومي يفيد في الواقع اللبنانيين الفقراء والمحتاجين، أما الباقي، أي ما يوازي 9.8 ملايين دولار، فيستفيد منه الأغنياء والوسطاء والتجار والأجانب: 20 في المئة فقط تصل إلى اللبنانيين الأكثر حاجة؛ في حين يستفيد الأجانب بنسبة 30 في المئة من خلال المحروقات والقمح التي تعبر حدودنا بشكل غير قانوني؛ ويجني الوسطاء والمستوردون حوالي 10 في المئة من المجموع بسبب غياب الشفافية والرقابة في المشتريات وتضخيم أسعار الاستيراد؛ أما ما تبقى، أي ما نسبته 40 في المئة فيستفيد منها الأغنياء اللبنانيون الذين لا يحتاجون إلى هذه الإعانات”.

في المقابل، فان رفع الدعم يجب أن يتم تدريجاً وأن يترافق مع إصدار بطاقة نقدية لا يزال تمويلها غير واضح. وقد دعا نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج حين زار لبنان، الى وجوب استفادة الحكومة من قرض البنك البالغة قيمته 246 ميون دولار، قائلاً إن البنك الدولي مستعد لمنح لبنان هذا التمويل لكن في المقابل يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لذلك.

وفي وقت قررت اللجان النيابية المشتركة تشكيل لجنة ليصار إلى دراسة مسألة البطاقة التمويلية والتوفيق بين مشروع الحكومة واقتراح القانون الذي تقدم به تكتل “لبنان القوي”، تنظم النقابات العمالية إضرابات اليوم الخميس احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصاية والمالية الصعبة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً