المصارف والدولار… في انتظار الحسم!

هدى علاء الدين

يدخل لبنان الأسبوع الثاني من شهر آذار على وقع تراجع في سعر صرف الدولار بنحو 10000 ليرة بعد تدخل مصرف لبنان منتصف الأسبوع الفائت، وفتح المصارف أبوابها أمام اللبنانيين لمدة أسبوع ومن ثم التمديد أسبوعاً آخر عقب اعلان جمعية المصارف تمديد تعليق إضرابها حتى العاشر من الشهر الجاري بهدف تسهيل عمل المؤسسات والأفراد وإعادة تقويم ما قد يستجد من تطورات بشأن تنفيذ مطالبها. وأشارت إلى أنها تلقفت بإيجابية حذرة القرارين الصادرين عن النيابة العامة التمييزية، آملةً استكمالهما بالتدابير العملية لمعالجة هذا الخلل نهائياً. وأعادت الجمعية التذكير بالمطالب السابقة للمصارف لجهة توحيد المعايير واعتماد المساواة في تطبيق القانون على الجميع، خصوصاً عبر اعتماد قاعدة واحدة لدفع المصارف وديعة المودعين من جهة، وإيفاء المدينين ديونهم تجاه المصارف من جهة ثانية، حفاظاً على حقوق المودعين، وكذلك تصحيح القرارات غير القانونية وغير المبررة المتخذة بحق بعض المصارف ورؤساء وأعضاء مجالس إداراتها، فضلاً عن مطالبة الدولة بتنفيذ القانون الذي تعاملت المصارف على أساسه مع مصرف لبنان، لا سيما المادة 113 من قانون النقد والتسليف ووضع خطّة عملية لتنفيذ التزاماتها القانونية لتغطية الخسائر المسجلة في ميزانية مصرف لبنان ومطالبة الدولة بالاقرار بالديون المترتبة بذمتها لصالح “المركزي”، وبتصويب خطة التعافي، وما نتج عنها من مشروعي إعادة التوازن للقطاع المالي وإعادة هيكلة المصارف، بهدف تمكين مصرف لبنان، من وضع خطة وجدول زمني لاعادة أموال المصارف المودعة لديه، والتي تؤكد عليها ميزانيته المنشورة مؤخراً، مما يشكل حجر الزاوية لمعالجة ودائع الزبائن في المصارف.

وتعليقاً على قرار جمعية المصارف، اعتبر كبير الاقتصاديين في “بنك بيبلوس” نسيب غبريل في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن المصارف لا تهوى الاضراب والاغلاق وعرقلة شؤون اللبنانيين ومعاملات الشركات، والدليل على ذلك أنها منذ إعلانها الاضراب في 6 شباط أبقت على عملها لتيسير أمور الشركات من خلال السحوبات عبر الصراف الآلي وتلبية بعض العمليات الملحة. واستغرب هذا الهجوم غير المسبوق على قرار المصارف على الرغم من أنه إضراب وليس إغلاقاً، مشيراً إلى إضراب القطاع العام المعلن منذ أكثر من عام ونصف العام والذي شلّ مؤسسات الدولة والادارات العامة وأخّر إتمام المعاملات بأنواعها كافة، وأدى إلى خسارة خزينة الدولة إيرادات كثيرة، إلى جانب اعتكاف القضاة لمدة أشهر عدة وإضراب أساتذة التعليم الرسمي وعمال “أوجيرو” وتهديد الاتحاد العمالي العام ونقابة الصيادلة به. وعليه، لماذا هذا الهجوم على المصارف، علماً أن الاضراب حق مصان في الدستور، لا سيما من بعض المنظرين الذين شبّهوا إضراب المصارف بالعمل الارهابي، في حين اعتبر البعض الآخر أن ليس هناك حق قانوني لها في ذلك، مطالباً بسجن مدراء المصارف ورؤساء مجلس الادارة، وفقاً لخلفيات وأهداف باتت واضحة.

وبحسب غبريل، فإن المصارف أخذت قرار الاضراب في 6 شباط بعد استنزاف كل الوسائل المتاحة لحل المشكلات العالقة مع القضاء، لافتاً إلى أن القطاع المصرفي في الاقتصاد هو من أكثر القطاعات المقوننة والتي تخضع للقوانين والاجراءات الرقابية. فالمصارف اللبنانية هي تحت القانون وتحترم القضاء وليس كما تم تصويرها بأنها من تقرر عن القضاء. وسلط الضوء على حديث نقيب المحامين الذي أوضح أن المعاملات بين مصرف لبنان والمصارف التجارية لا يمكن وضعها في خانة تبييض الأموال. كما أن المصارف في بيانها في 6 شباط و3 آذار ألحت على رفع السرية المصرفية بالكامل وإلغائها من أجل إتاحة الوصول إلى المعلومات، وبالتالي فهي ليست محرجة في هذا الموضوع، لكن هناك بعض التخبط في القضاء الذي يؤثر على عمل المصارف.

وإذ أكد أن القطاع المصرفي يحترم فصل السلطات وهو مع استقلالية القضاء بالكامل، أشار إلى ضرورة إقرار قانون استقلالية القضاء في أسرع وقت ممكن علماً أن استقلالية القضاء تتحقق بالممارسة وليس بالقوانين فقط، قائلاً: “صحيح أن أي إضراب من أي جهة كانت يعرقل الحركة الاقتصادية، لكن إضراب المصارف جاء كصرخة بعد نفاد كل الوسائل والمحاولات للإسراع في انتظام العمل القضائي وبدء العملية الاصلاحية خصوصاً لناحية مناقشة مجلس النواب والتصويت على القوانين الخاصة بالقطاع المصرفي والمتعلقة بقانون الكابيتال كونترول وقانون إعادة التوازن للقطاع المالي ومشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي”. وتمنى أن توجه الدعوات الى القطاعات الأخرى التي لا تزال في حالة إضراب عن العمل أو لديها النية لذلك عوض التركيز على القطاع المصرفي وكأنه ليس هناك غيره في الاقتصاد اللبناني.

أما عن القرار الأخير لمصرف لبنان، فاعتبر غبريل أن القرار ليس قرار رياض سلامة إنما مؤسسة مصرف لبنان، وبالتالي لا يمكن اختزال المصرف بأي شخص كان، موضحاً أن الهدف منه هو ضبط تدهور سعر صرف الليرة في السوق الموازية وتقليص الهامش بينه وبين سعر الصرف على منصة “صيرفة” وسحب السيولة النقدية بالليرة اللبنانية من الأسواق.

ووفقاً لغبريل، فإن السعر في السوق الموازية غير مقونن ولا يخضع لأي رقابة أو شفافية ويتم التلاعب به من المضاربين وتجار الأزمات ومستغلي المحطات السياسة وجهات عديدة ليس من مصلحتها تراجع سعر صرف الدولار فضلاً عن الطلب عبر الحدود، مشدداً على أن التراجع الحاد في سعر صرف الليرة ليست له أسباب اقتصادية أو تقنية لأن الحركة الاقتصادية لم تستدع وجود طلب بصورة مفاجئة على الدولار ولم ترتفع أي من القدرة الشرائية أو إيرادات الشركات أو رواتب وأجور العمال والموظفين عموماً ولم ترتفع فاتورة الاستيراد بصورة متسارعة في الشهرين الأخيرين. وبالتالي لم يتغير أي شيء على الصعيد الاقتصادي. وأكد أن سعر الصرف اليوم هو سعر اصطناعي بحت حتى حين وصل إلى الـ 60 ألفاً كان اصطناعياً أيضاً وليس سعراً حقيقياً للدولار في الاقتصاد اللبناني، لكن شلل المؤسسات وحالة الفراغ تجعلان السوق عرضة للتفلت والتلاعب.

من جهة أخرى، رأى غبريل أن السؤال لا يجب أن يكون هل ستنجح إجراءات مصرف لبنان أو هل أن تدخله كاف أم غير كاف، بل ماذا تفعل المؤسسات الأخرى ولماذا لا تواكب إجراءاته؟ علماً أن مصرف لبنان هو المؤسسة الرسمية المدنية الوحيدة التي تأخذ القرارات، متسائلاً: أين المؤسسات الأخرى وأين السلطة التشريعية والتنفيذية وأين القطاع العام؟ ولفت الى أن “المركزي” مسؤول عن السياسة النقدية فقط، وليس مسؤولاً عن السياسة الاقتصادية والمالية وتطبيق الإصلاحات التي يجب أن تكون من خلال الارادة السياسية التي يبدو واضحاً أنها غير موجودة. فاليوم يجب الانتظار لمعرفة نتائج إجراءات مصرف لبنان علماً أن النتائج الأولية تجلّت في تراجع سعر الصرف في السوق الموازية، مع الاشارة إلى أن مصرف لبنان نجح أقله منذ كانون الأول 2020 أي منذ إقرار التعميم 161 في محاولات لجم سعر صرف الدولار، لكن على الرغم من ذلك لا يمكن التوقع بأن مصرف لبنان كمؤسسة مدنية وحيدة ستكون قادرة على امتلاك عصا سحرية وحل أزمة شح الدولار.

وختم غبريل بالقول: “الهدف لا يجب أن يكون كم سيتراجع الدولار في السوق السوداء بل أن تكون هناك إجراءات تلغي وجودها ومبررات اللجوء إليها، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال استعادة الثقة عبر الاصلاحات التي تؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال مجدداً إلى لبنان من أجل إتاحة وجود سيولة كافية بالعملات الأجنبية في الاقتصاد كي لا تبقى هناك حاجة ولو جزئية للجوء إليها، وبالتالي ينتفي بذلك سبب وجود هذه السوق ومن وراءها من مضاربين ومتحكمين ومتلاعبين بسعر الصرف”.

شارك المقال