توسعة المطار حاجة ملحّة.. والملف يدخل “البازار” السياسي

لبنان الكبير

كتبت الزميلة عزة الحاج حسن في “المدن:

استحوذت قضية توسعة مطار رفيق الحريري الدولي على حيز واسع من السجالات في البلد، ودخل سياسيون وإعلاميون ومؤسسات خط “البازار” السياسي. وبين مؤيد لمشروع إنشاء مبنى جديد للمسافرين في المطار ورافض له، تاهت عن بعض اللبنانيين مشاهد الازدحام الهائل الذي تشهده صالات المطار سنوياً، في أوقات الذروة، تزامناً مع المواسم السياحية. وتناسوا عجز المطار بحجمه ومؤهلاته الحالية عن استقبال أعداد كبيرة من المسافرين.

قرار التوسعة

المخطط التوجيهي العام لتطوير وتوسعة مطار رفيق الحريري الدولي ليس بالأمر المستجد. فقد أقر عام 2018، بهدف الحد من أزمة الازدحام في مبنى المسافرين في المطار. إذ لا تتجاوز القدرة الإستيعابية للمطار حالياً 6 ملايين راكب سنوياً، في حين فاق عدد المسافرين عام 2018 تلك الارقام وبلغ 8.8 ملايين مسافر، ومن المتوقع بلوغ عدد مسافرين عبر المطار للعام الحالي 2023 نحو 7.2 ملايين.
يهدف المخطّط التوجيهي العام لتطوير المطار وتوسعته إلى بناء مبنى جديد للمسافرين مستقل عن مبنى المسافرين الحالي (Terminal 1)، ليتمكّن من استيعاب ارتفاع أعداد المسافرين بنسبة قد تصل إلى 4 ملايين مسافر، ويؤمن جميع الخدمات للركاب والطائرات وشركات الطيران بطريقة منفصلة عن المبنى الحالي.

لم يلحظ قرار مجلس الوزراء العائد إلى العام 2018 المصادر المالية اللازمة لتمويل مشروع توسعة المطار، ونظراً إلى العجز المالي الكبير الذي تعانيه خزينة الدولة اللبنانية، لجأت وزارة الاشغال العامة إلى استقطاب التمويل والاستثمار والتشغيل من الخارج.

حاجة ملحّة

لا شك أن مشروع توسعة المطار بات حاجة ملحّة بالنظر إلى تهالك مبنى المسافرين القائم حالياً، بكل ما يحوي من مساحات وتجهيزات وغير ذلك، ولحاجة البلد إلى مطار يمكنه استيعاب أعداد إضافية من المسافرين، ويتمتع بمقومات تؤهله اللحاق بركب مطارات دول المنطقة.

وحسب المخطط التوجيهي لتوسعة المطار، من المقرّر أن يخفف مبنى المسافرين الجديد الازدحام الحالي على ممرات التفتيش والكونتوارات وبوابات الصعود إلى الطائرات، للمسافرين على طائرات الرحلات العارضة والموسمية والناقلة للحجاج والمعتمرين وزائري الأماكن المقدسة، ولطائرات شركات الطيران منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى تحسين كفاءة ونوعية الخدمة المقدمة للرحلات. ما يشجع السياحة على مدار السنة، ويزيد إيرادات الخزينة العامة ويرفد جميع الأعمال المرتبطة بالسياحة. كما من المتوقع أن يؤمن المشروع أكثر من 500‏ فرصة عمل مباشرة ودائمة و2000‏ فرصة عمل غير ‏مباشرة.

العقد موضع سجال

وعلى الرغم من أن مشروع توسعة المطار يشكّل حاجة ملحّة للبلد، إلا أن آلية تأمين التمويل الذي اعتمدته وزارة الأشغال لتنفيذ المشروع، أدخلت الملف برمّته في سجالات واسعة، وعرّضته لـ”بازار” سياسي كما كافة المشاريع والملفات في البلد.

فقد لجأت وزارة الاشغال العامة إلى استقطاب تمويل أجنبي، من دون تحميل الخزينة العامة أي أعباء سواء تمويل أو قروض، وذلك عبر إبرام عقد مع الشركة اللبنانية للنقل الجوي (LAT) المكلفة وفقاً لمندرجات العقد بتمويل كامل المشروع. أما لناحية التشغيل، فستتعاون مع شركة dublin airport authority International المملوكة بالكامل لحكومة إيرلندا، والمتخصصة في إنشاء وإدارة وتشغيل مطارات عالمية حول العالم.

وحسب عقد تمويل وإنشاء وإدارة وتشغيل مبنى المسافرين الجديد في مطار رفيق الحريري الدولي- بيروت Terminal 2 ستعود ملكية المباني والمنشآت والتجهيزات بالكامل للدولة اللبنانية بعد انتهاء مدة العقد البالغة 25 عاماً. ويتوقع أن يبداً تشغيل مبنى المسافرين الجديد في الربع الأول من عام 2027.

إبرام وزارة الأشغال عقدٍ مع الشركة المذكورة، تم بالتراضي وليس عبر طرح مزايدة عامة، الأمر الذي أثار الشبهات حول احتمال تمرير “صفقة” لحساب الشركة ومن يقف وراءها. ودفع بكُثر إلى اتهام وزارة الأشغال بعدم مراعاة معايير الشفافية في إبرام عقد توسعة المطار.

سند “الوزارة” القانوني

الوزارة لم تتجاهل أصوات المعترضين على إبرام العقد، على الرغم من “تطييف الملف” من قبل البعض، وإدخاله في زواريب السياسة اللبنانية وحساباتها. فواجهت بحججها القانونية الاعتراضات على إبرام العقد، وأعلنت استنادها في مشروع توسعة المطار إلى قانون رسوم المطارات الصادر بتاريخ 19/03/1974 وتعديلاته، وهو يجيز في عقد الإنشاء والتجهيز والتشغيل، لشركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية الوطنية، إشغال مساحات مكشوفة لقاء دفع رسم سنوي بالمتر المربع. كما يجيز لها القانون نفسه إقامة إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة على المساحات المشغولة، على أن تُعاد كامل هذه المباني والمنشآت وتُسجّل ضمن ملكية الإدارة بعد انقضاء مدة العقد على إقامتها.

كما استعانت وزارة الاشغال أيضاً برأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، التي أكدت أن “لوزارة الأشغال صلاحية الترخيص بإشغال وإنشاء وإدارة واستثمار المنشآت النفطية وسواها من المنشآت ضمن المطار والأملاك العامة التابعة له والملحقة به”.

وعن قانونية عدم إجراء مزايدة علنية، يوضح مصدر قانوني متابع للملف أنه من المتاح قانوناً إقامة منشآت ومبانٍ في مطار رفيق الحريري الدولي بحسب المرسوم الاشتراعي رقم 36 تاريخ 15/6/1983 وتعديلاته في الجدول رقم (9) الملحق بكل من موازنات السنوات 1991، 1993، 1999، 2019، والمعدل بالقانون رقم 300 تاريخ 11/8/2022 وقانون الموازنة العامة للعام 2022، لأنه يلحظ هذا النوع من الإشغال ضمن مندرجاته، والذي يجيز قيام الشركات في المطار بإقامة إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة على الأراضي المكشوفة المشغولة من قبلها، على أن تحدد بدلات الإشغال لاحقاً وفق أحكام هذا القانون. ويشدد المصدر على أن العقد هو عقد إقامة إنشاءات ومبانٍ وليس عقد BOT، وعليه لا يخضع إشغال المساحات المكشوفة المعدة لإقامة إنشاءات ومبان إلى آلية المزايدة العلنية، بل تبقيه في إطار التعاقد الحرّ.

ويذكّر المصدر باعتماده هذه الآلية في عقود سابقة مثل عقد إنشاء المبنى البريدي لشركة البريد السريع DHL ومبنى الشحن الجوي، المعروف بقرية البضائع لشركة طيران الشرق الأوسط ش. م. ل. بقيمة 25 مليون دولار لمدة عشر سنوات.

موقف دائرة المناقصات

في ظل التشكيك بشفافية العقد المّبرم لتوسعة مطار بيروت، والتشكيك بمحاولة تمرير صفقة ما، كان لا بد من الوقوف عند رأي رئيس دائرة المناقصات جان العلّية. وقد أكد الأخير أنه “بانتظار استكمال الإطلاع على الملف للتدقيق فيه بصورة علمية وقانونية لإعطاء رأي موضوعي”، قاطعاً الطريق على الدافعين بالملف إلى “التطييف والتسييس”.

شارك المقال