توسعة مطار رفيق الحريري الدولي… بين القانون والافتراء

هدى علاء الدين

لم تكد تُطلق الحكومة اللبنانية في 20 آذار الجاري مشروع إنشاء مبنى جديد للمسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي أو ما يُعرف بالـTerminal 2، حتى تعرّض هذا المشروع إلى حملة واسعة من الانتقادات طالت قانونيته ومدى التزامه بقانون رسوم المطارات. وقد استندت جميعها إلى تحليلات مغلوطة حملت في طياتها جملة من الافتراءات والتجنيات بأنه لا يسمح ببناء مطار بالتراضي من دون مناقصة إنما تحصيل رسوم فقط، وذلك بعيداً عن القوانين الواضحة والمرعية الإجراء والتي تُشرّع عقد التراضي من دون أي شبهات. فكان لا بدّ من وضع النقاط على الحروف إنصافاً لهذا المشروع الذي يحتاج اليه المطار عبر قراءة قانونية تدحض كل افتراء.

البداية أولاً مع رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بشأن إشغال الأراضي المكشوفة من شركات النقل الجوي، والذي أشارت فيه إلى أن ما يُسمى حاضراً بـ “التأجير” أو “الاستثمار” ليس مرعياً بالقوانين الخاصة المتعلقة بهذين الموضوعين لأن تأجير أملاك الدولة التي من بينها مطار بيروت مرعي بقواعد خاصة. وعليه، فإن صلاحية الترخيص بإشغال وإنشاء وإدارة واستثمار المنشآت النفطية وسواها من المنشآت ضمن مطار رفيق الحريري الدولي والأملاك العامة التابعة له والملحقة به، تعود الى وزارة الأشغال العامة والنقل – المديرية العامة للطيران المدني وذلك وفقاً لأحكام القوانين الخاصة بها (قانون إنشاء وزارة النقل – قانون رسوم المطارات).

كما أن المادة 25 من قانون رسوم المطارات تاريخ 19 آذار 1947 (موازنة العام 1947) والمعدل بقوانين موازنة العام 1948 و1950 و1952 قد ميّزت بين ثلاث فئات من المساحات في مطار بيروت: الأولى تشمل المكاتب (سواء كانت في مبنى المطار أو قاعة المسافرين أو خارج المبنى) والحظائر والمستودعات التي تؤجر من شركات النقل الجوي أو وكلائها لأعمالها الخاصة. والثانية تشمل الأراضي التي تشغلها شركات النقل الجوي وشركات بيع الوقود لأعمالها الخاصة. أما الثالثة فتتضمن سائر المباني والأراضي التي تشغل لغايات أخرى، وهي تؤجر بالمزاد العلني وفقاً لأحكام القرار 275 تاريخ 25/05/1926.

وبناءً على ما ذُكر أعلاه، يتبين أن المادة 25 لم تحدد أصولاً خاصة لإبرام العقود التي تخوّل إشغال الفئتين الأولى والثانية من المساحات بل أوجبت فقط، في ما يتعلّق بالفئة الثالثة، حصول التأجير بالاستناد إلى القرار رقم 275/1925 أي المادة 60 منه أي عن طريق المزاد العلني. كما أن تأجير المساحات من الفئتين الأولى والثانية لا يمكن أن تستفيد منه إلاّ شركات النقل الجوي (بالنسبة الى الفئة الأولى) وهذه الأخيرة وشركات بيع الوقود لأعمالها الخاصة (الفئة الثالثة) دون سواها. ويعود هذا التمييز بين الفئات إلى طبيعة المهام التي يؤديها شاغل مساحات الفئتين الأولى والثانية أي شركات النقل الجوي أو شركات بيع الوقود، لا سيما وأن هذه المهام تؤدي بصورة مباشرة إلى تسهيل حركة الطيران المدني، في حين أن إشغال المباني والمساحات الداخلة في إطار الفئة الثالثة يؤدي إلى تقديم خدمات غير مباشرة لحركة الطيران المدني.

وبما أن التساؤل حق مشروع، فلا بدّ من طرح السؤال التالي بناءً على المعطيات الواردة أعلاه:

هل المادة ٢٥ من قانون رسوم المطارات تُشرّع حق إنشاء مبانٍ للركاب بصورة صريحة علماً أنها تشير فقط إلى ثلاث فئات من المساحات التي يتم استيفاء رسومها؟

أجاز البند ثانياً والفقرة (ب) والنقطة (3) إقامة إنشاءات ومبانٍ على أراض مكشوفة وتأجيرها وفي ما يلي نصها:

– البند ثانياً: بدلات إشغال مساحات في المباني والأراضي داخل حرم المطار.

– الفقرة (ب): البدلات السنوية لإشغال المساحات داخل حرم المطار من شركات الطيران أو وكلائها الرسميين وشركات الخدمات الأرضية الوطنية ونوادي الطيران ومدارس ومؤسسات تدريب الطيران المجاز لها رسمياً والحائزة على ترخيص ممارسة مهنة التدريب وشركات البريد وشركات الوقود ومخلصي البضائع ووسطاء النقل البري والبحري والجوي ووكلاء الشحن الجوي.

– النقطة (3): عن كل متر مربع من الأراضي المكشوفة المشغولة من شركات الطيران أو وكلائها الرسميين وشركات الخدمات الأرضية الوطنية ونوادي الطيران ومدارس ومؤسسات تدريب الطيران المجاز لها رسمياً والحائزة على ترخيص ممارسة مهنة التدريب وشركات البريد وشركات الوقود ومخلصي البضائع ووسطاء النقل البري والبحري والجوي ووكلاء الشحن الجوي والمؤسسات الأخرى والتي أقامت إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة عليها وبعد انقضاء مدة العقد على إقامة تلك المنشآت والمباني بعد توصيفها وتحديد وجهة استعمالها بما فيها تكاليف الكهرباء ومياه الخدمة. وقد حددت النبذة (3,1) مبلغ 100$ عن كل متر مربع من المكاتب والنبذة (3,2) مبلغ 80$ عن كل متر مربع من المستودعات والحظائر. أما النبذة (3,3)، فقد حدّدت عن كل متر مربع لأي وجهة استعمال أخرى غير واردة في النبذتين أعلاه نسبة مئوية أو 150$.

وعما إذا كان من الممكن إجراء عقدمن B.O.T دون أي مزايدة، فإنه من المتاح قانوناً إجراء إقامة منشآت ومبانٍ في مطار رفيق الحريري الدولي حسب المرسوم الاشتراعي رقم 36 تاريخ 15/6/1983 وتعديلاته في الجدول رقم (9) الملحق بكل من موازنات الأعوام 1991، 1993، 1999، 2019، والمعدل بالقانون رقم 300 تاريخ 11/8/2022 والقانون النافذ حكماً رقم (10) الصادر بتاريخ 15/11/2022 (قانون الموازنة العامة للعام 2022)، لأنه يلحظ هذا النوع من الإشغال ضمن مندرجاته والذي يجيز قيام الشركات في المطار بإقامة إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة على الأراضي المكشوفة المشغولة منها، على أن تحدد بدلات الإشغال لاحقاً وفق أحكام هذا القانون.

لذا، من الضروري الاشارة هنا إلى أن العقد هو عقد إقامة إنشاءات ومبانٍ وليس عقد B.O.T وإن كان يشبهه في النتيجة المرجوة منه. وبالتالي، فإن ذلك يدحض الافتراء بأن قانون رسوم المطارات لا يُجيز إجراء عقد B.O.T من دون مزايدة. ومن هنا، ونظراً الى وجود هذا النص وهذا السبب، فإن إشغال المساحات المكشوفة المعدّة لإقامة إنشاءات ومبان لا يخضغ إلى آلية المزايدة العلنية بل أبقته المادة 25 في إطار التعاقد الحرّ. وهذا ما تم اعتماده في عقود سابقة مثل عقد إنشاء المبنى البريدي لشركة البريد السريع DHL والعقد المنشأ مع شركات النقل السريع في لبنان (AXAL) لإشغال مساحة مكشوفة لإقامة مبنى للشحن السريع وتشغيله وإدارته واستثماره.

شارك المقال