وضع لبنان خطير… وبداية الحل ضمان حقوق المودعين

هدى علاء الدين

لم يكن مفاجئاً التحذير الذي أطلقه صندوق النقد الدولي يوم أمس، والذي أشار فيه إلى أن لبنان في وضع خطير للغاية بعد مرور عام على التزامه بإصلاحات فشل في تطبيقها، مطالباً الحكومة بالتوقف عن الاقتراض من البنك المركزي. التحذير الخطير الذي جاء على لسان رئيس بعثة الصندوق أرنستو راميريز ريغو، في مؤتمر صحافي، في ختام زيارته إلى بيروت، أظهر بصورة قاطعة عدم وجود أي تطورات إيجابية لناحية تنفيذ الاصلاحات، بل تقدم بطيء للغاية على عكس توقعاته التي كان يأمل من خلالها المزيد من الجهود في ما يتعلق بتطبيق التشريعات المرتبطة بالاصلاحات المطلوبة وإقرارها. وبحسب ريغو، فإنه يتوجب على السلطات تسريع تنفيذ اشتراطات الصندوق للحصول على حزمة إنقاذ حجمها ثلاثة مليارات دولار، مشدداً على أن أي حل للأزمة الاقتصادية الراهنة يجب أن يشمل تعديل السياسات المالية ومعالجة خسائر القطاع المصرفي وتوحيد سعر الصرف المتعدد الذي حمّل الاقتصاد تكاليف باهظة ووزع الخسائر بطريقة غير عادلة. كما اعتبر أن صغار المودعين هم الأكثر تضرراً ويعانون أكثر مما ينبغي، مؤكداً على ضرورة توزيع الخسائر بين الحكومة والمصارف والمودعين.

من جهة أخرى، ومع استمرار المماطلة في إجراء الاصلاحات المطلوبة وتخبط خطة الحكومة الاقتصادية بمستنقعات تعقيد الأزمة وليس العمل على حلّها، كان لاتحاد المصارف العربية وجهة نظره في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية اللبنانية، عبر ورقة إصلاحية أعدّها خبراء من الاتحاد بالتعاون مع خبراء دوليين أشاروا فيها إلى أن الأزمة التي يمر بها الاقتصاد كان يجب ألا تحدث، إذ من النادر جداً أن تقع دولة في أزمة مالية ولديها من أعلى نسب الاحتياطي الذي بلغ في منتصف العام 2019 حوالي 50 مليار دولار، ويفوق الدين العام بالدولار بـ 150 في المئة ويغطي 50 في المئة من الودائع، معتبرة أنه كان يجب على مصرف لبنان عدم التوقف عن توفير السيولة للمصارف واتخاذ إجراءات اصلاحية مالية ونقدية فورية. أما عن خطة الحكومة فهي لا تقدّم حلاً كونها تعتبر الالتزامات خسارات يجب شطبها، وهذا قرار استنسابي وغير محق ومخالف للدستور اللبناني، ولن يؤدي إلى حل، بل إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي وفقدان السيولة، وكلاهما ضروريان للتوصل إلى حل، لا سيما وأن شطب الودائع المقترح في الخطة، سيؤدي إلى إفقار أكثر من مليون مواطن، وإلى محو قدرتهم الشرائية وإلى مزيد من الانهيار.

ورأى الخبراء أن الاجراءات التي اتُخذت إلى اليوم أدت إلى تفاقم الانهيار وليس العكس، بحيث لم تُتخذ أي إجراءات إصلاحية منذ بدء الأزمة وانما بالعكس تماماً، بحيث أن مجمل الاجراءات المتخذة أدّت إلى المزيد من استنزاف مصرف لبنان لمعظم احتياطاته (24 مليار دولار) خلال عام ونصف العام بعد بدء الأزمة، وخلق دولار “فريش” تم تحديده حسب السوق الحرة وآخر مصرفي قديم (لولار) يعادل اليوم أقل من 15 في المئة من الدولار الفريش، فضلاً عن انحدار سعر الصرف في السوق الموازية الذي أسهم في خسارة 98 في المئة في قيمة الليرة والودائع بالليرة، وانخفاض كبير في الأجور والدخل الحقيقي وارتفاع البطالة وتدهور القيمة الشرائية.

أما عن الحل، فيكمن في توفير السيولة للمصارف واستعادة الثقة، وانتهاج اصلاحات ناجعة وبالتسلسل، بدلاً من الانتظار حتى يتمّ الاتفاق مع صندوق النقد. وقد فنّد الخبراء أهم البنود الاصلاحية التي يجب البدء بتنفيذها وتشمل الاعلان عن صون وحفظ الودائع بأي عملة كانت لا سيما أن ذلك يُعيد الثقة بالدولة والمصارف، التحرير الكامل والمباشر لسعر الصرف لجميع المعاملات والقطاعات، وليس توحيده فقط كما تقترح الحكومة وصندوق النقد، فضلاً عن إلغاء جميع القيود المكبّلة على السحب وفق عدة تعاميم استنسابية لمصرف لبنان المركزي، واستعادة المصارف لدورها في سوق القطع وإعادة التوازن الى الأسواق المالية والثقة بالمصارف، وإعادة السيولة اليها واستعمال الشيكات المصرفية وبطاقات الائتمان بقيمتها الحقيقية للدولار (الدولار المصرفي يوازي الدولار الفريش).

كذلك، لا بد من تقليص الطلب على الدولار النقدي وتعزيز العودة إلى استعمال النقد الافتراضي أي شيكات وبطاقات ائتمان، وإستعادة المودعين التعامل من دون قيود مع المصارف، الأمر الذي يُعيد الثقة لليرة اللبنانية. أما مصرف لبنان، فعليه أن يتحرّر من واجب التدخل في سوق القطع والتركيز فقط على السياسة النقدية التي تستهدف النمو ولجم التضخم، بحيث يستطيع “المركزي” بعد تحرير سعر الصرف خفض نسبة الاحتياطي الالزامي من أجل توفير سيولة اضافية للمصارف، مع الأخذ في الاعتبار أن تحرير سعر الصرف يجب أن يرافقه تحقيق توازن مالي من خلال سعر صرف حرّ وإعادة جدولة ديون الدولة، ما يُسهم في استقرار سعر الصرف وفي تحسين أداء ميزان المدفوعات وثبات سعر العملة الوطنية، على أن تكون إعادة هيكلة المصارف بعد تطبيق الاصلاحات المذكورة لاعطائها فرصة التعافي من خلال هذه الاجراءات.

واعتبرت الورقة الإصلاحية أن إعلان التزام الحكومة اللبنانية ضمان حقوق المودعين غير واضح وغير مؤكّد، وعلى صندوق النقد أخذ موقف داعم للمودعين، كون المودع هو ركيزة الدولة ومنقذها، وهذا ما أكّد عليه إرنستو ريغو في مؤتمره الصحافي.

شارك المقال