الـ Terminal 2 رافعة اقتصادية في زمن الانهيار

هدى علاء الدين

لطالما شكّل مطار رفيق الحريري الدولي صمام أمان للاقتصاد اللبناني الذي وقع في فخ الانهيار منذ العام 2019، فالمطار الذي كان ولا يزال جزءاً أساسياً من النظام الاقتصادي نجح في حجز موقع استثنائي له على خارطة النقل الجوي، وفي فتح بوابة الاستثمار والسياحة والتجارة الدولية على مدى سنوات طويلة بفضل الخدمات النوعية التي يقدّمها والجودة العالية التي يتمتع بها وموقعه الجغرافي المتميز بين الدول العربية. وعلى الرغم من حدة الأزمة التي يعاني منها لبنان، بقي مطار رفيق الحريري الدولي خشبة الخلاص للعديد من القطاعات ولمعظم العائلات اللبنانية كمصدر للدولار “الفريش” الآتي من المغتربين الوافدين إليه بأعداد فاقت كل الأرقام والتوقعات.

المطار الذي سجل ارتفاعاً إضافياً في عدد الركاب خلال شهر شباط الماضي بما يقارب الـ25 في المئة مقارنة مع شباط من العام 2022، وازدياد عدد الرحلات الجوية من لبنان وإليه بنسبة فاقت الـ20 في المئة، بات يعاني بصورة مباشرة من انعكاس الأزمة الاقتصادية على عمله لا سيما لجهة أعمال الصيانة والتطوير بسبب نقص التمويل والسيولة اللازمين، ولجهة ازدياد عدد المسافرين بوتيرة تفوق قدرته الاستيعابية، فلم يعد يحتمل أي تأجيل في ما يتعلق بتوسعته وصيانته.

ومع الاعلان عن إطلاق وزارة الأشغال العامة مشروع إنشاء مبنى ركّاب للرحلات العارضة والسياحية في مطار رفيق الحريري الدولي، من المتوقع أن يؤمن هذا المشروع الذي لجأ إلى الاستثمار الخارجي بسبب عدم قدرة الدولة المالية على تمويله في ظل العجز الذي تعاني منه، ما بين 30 و40 مليون دولار سنوياً للدولة طوال مدة العقد. كما أن هذا المشروع سيعمل على الرقي بمطار رفيق الحريري الدولي ليواكب التطور الحاصل في مطارات المنطقة عبر جذب استثمارات خارجية بالعملة الصعبة (Fresh Foreign Funds) وإضافة مبانٍ وإنشاءات وتجهيزات مهمة لأملاك الدولة من دون التأثير على القدرات المالية المتاحة للخزينة ‏العامة ما يرفع من قيمة أصول الدولة اللبنانية في المطار، فضلاً عن تخفيف الازدحام الحالي على ممرات التفتيش والكونتوارات وبوابات الصعود إلى الطائرات للمسافرين على طائرات الرحلات العارضة والموسمية والناقلة للحجاج والمعتمرين وزائري الأماكن المقدسة ولطائرات شركات الطيران منخفضة التكلفة (Low Cost Carries). وسيؤمن بناء الـ Terminal 2 أكثر من 500‏ فرصة عمل مباشرة ودائمة و2000‏ فرصة عمل غير ‏مباشرة من دون تكبيد خزينة الدولة أية أعباء. وسيمكّن المطار من استقطاب المزيد من شركات الطيران منخفضة التكلفة ومن زيادة عدد الرحلات المجدولة ويحسن كفاءة الخدمة المقدمة لتلك الرحلات ونوعيتها مما يشجع السياحة على مدار السنة ويزيد إيرادات الخزينة العامة ويرفد جميع الأعمال المرتبطة بالسياحة. كذلك، ستُتيح عملية التوسعة الفرصة للناقل الوطني (شركة طيران الشرق الأوسط) للتوسع وزيادة عدد رحلاته على الخطوط الحالية وزيادة وجهات السفر إلى مطارات أخرى مع الاحتفاظ بمستوى الخدمة المتميز الذي يقدمه.

مع ازدياد وتيرة الاصطفافات السياسية التي تحارب كل مشروع تنموي من منطلق سياسي بحت وسيطرة الفراغ الرئاسي على أنقاض ما تبقى من هذا الوطن، يُشكّل مشروع إنشاء مبنى ركاب للرحلات العارضة والموسمية في مطار رفيق الحريري الدولي بارقة أمل بعدما جرّدته الأزمة الإقتصادية من امتيازاته كافة وموقعه الريادي الذي كان ينافس فيه أكبر دول العالم. فالمشروع الذي يهدف إلى زيادة القدرة الاستيعابية للمطار إلى حوالي 10 ملايين مسافر سنوياً (ارتفاعاً من 6 ملايين)، سيكون بمثابة فرصة ذهبية للتجديد والتطوير ومواكبة الارتفاع الهائل في عدد المسافرين الذين يتزايدون عاماً بعد عام، ليكون هذا المشروع المتكامل بمثابة رافعة للاقتصاد اللبناني المتهاوي وأحد مداميك بناء الثقة التي فقدها لبنان داخلياً وخارجياً كي يعود إلى موقعه الطبيعي على الخارطة العربية والدولية ويستعيد دوره كجاذب للاستثمارات الأجنبية والرساميل بالعملة الصعبة.

يستحق مطار رفيق الحريري أن يكون مطاراً عالمياً بمعايير دولية، ويستحق هذا التطوير وهذه التوسعة تكريماً لجهود من أعاده إلى الحياة جاعلاً منه شريان لبنان الاقتصادي ورافداً أساسياً له، ومرتعاً للاستثمارات ذات الدخل المرتفع وجسراً جوياً بين لبنان ومغتربيه وبين لبنان والعالم.

شارك المقال