توسعة المطار “ضرورة”… والأسباب كثيرة

هدى علاء الدين

لم يكن مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوماً مطاراً عادياً بل كان وجه لبنان السياحي الأول من دون أي منازع، وحلماً من أحلامه التي سعى إلى تحقيقها عبر رؤية وطنية لم تُفرق يوماً بين مسلم ومسيحي. فالمطار الذي افتتح في العام 1998، بوشر تنفيذ الأشغال فيه عام 1990، وشملت مباني الرادار وسلامة الطيران وصيانة الطيران والتدريب على الانقاذ والاطفاء والبريد الآلي وانتاج الطاقة وأعمال البنى التحتية المتعلقة بمحطة الركاب ومباني الخدمات ونفقي الأوزاعي، بتكلفة وصلت إلى 664 مليون دولار. وقد لحظت المرحلة الأولى من مشروع تطوير مطار بيروت الدولي استيعاب 6 ملايين مسافر، واستحدثت محطة جديدة تضم 21 بوابة سفر وقسم الترانزيت والسوق الحرة ومدرجين جديدين ليصبح المطار قادراً على استقبال 30 طائرة.

25 عاماً مرّت ولم يحظ المطار بأي عمليات توسيعية بل اقتصرت على أعمال صيانة محدودة وحسب، على الرغم من تآكل معداته وتجهيزاته التي لم تعد تلبي احتياجات المسافرين، حتى أنها باتت عبئاً على المطار ومصدراً لتشويه صورته، مع تجاوز حركة المسافرين الفعلية طاقة المطار الاستيعابية عام 2013 ووصولها إلى ذروتها في العام 2018 بعدد قُدرت بحوالي 8,8 ملايين مسافر (قبل الجائحة) متجاوزة قدرته الاستيعابية بأكثر من مليوني مسافر (ارتفاعاً بنسبة 340 في المئة)، وارتفاع حركة الطائرات بنسبة 220 في المئة. وفي العام 2022، ومع استعداد مطار رفيق الحريري الدولي لاستقبال أعداد هائلة من المسافرين بعد ركود دام لحوالي عامين نتيجة جائحة كورونا، واجه صعوبات جسيمة لناحية قدرته الاستيعابية التي تراجعت بفعل عوامل الاهمال وعدم إجراء ما يلزم من أعمال الصيانة وانعدام التيار الكهربائي والتكييف وقلة الموارد البشرية التي عانت رواتبها من تآكل القدرة الشرائية، حتى سيطرت حالة من الفوضى في المطار لم يسبق أن شهدها في السابق، على الرغم من أن الحكومة حينها كانت قد منحت وزارة الأشغال العامة والنقل 10 ملايين دولار من أصل 93 مليوناً خُصصت فقط لتنفيذ أعمال صيانة الهبوط الآلي، ولتأمين سلامة الطيران، ولإعادة تأهيل جرارات الحقائب.

اليوم، ومع توقعات بأن تصل القدرة الاستيعابية إلى 7,2 ملايين مسافر في العام الجاري، مع إمكان ازديادها في الأعوام المقبلة في حال تحسنت الظروف العامة مستقبلا، وبموجب قرار مجلس الوزراء رقم 68 الصادر بتاريخ 16/5/2018 الذي أقّر الموافقة على المخطط التوجيهي العام لتطوير وتوسعة مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي وذلك بهدف معالجة الاختناقات الناتجة عن شدة الازدحام في مبنى المسافرين الحالي، وبما أن مبنيي الشحن اللذين أصبحا غير مطابقين للشروط الأمنية والفنية العالمية ويعتبران الثغرة الوحيدة التي تثير قلق الأجهزة الأمنية المحلية وشركات الطيران الأجنبية والجمارك، القديمين المنشأين عام 1954 والواقعين في الجهة الشرقية من أملاك المطار (حيث سيقام المشروع) قد تم إقفالهما وإخلاؤهما من شاغليهما إلى مبنى الشحن الجديد الذي أنشأته شركة طيران الشرق الأوسط (بموجب عقد إشغال مساحة مكشوفة، إنشاء تشغيل واستثمار المبنى وإعادة الملكية إلى الإدارة)، أصبح الهدف الأساس للمخطط التوجيهي العام لتطوير وتوسعة مطار رفيق الحريري الدولي هو بناء مبنى جديد للمسافرين مستقل عن مبنى المسافرين الحالي (Terminal 1) من أجل تأمين حركة انسيابية للمسافرين وجميع الخدمات لهم وللطائرات ولشركات الطيران بطريقة منفصلة عن المبنى الحالي عبر تشييد مبنى جديد للمسافرين (Terminal 2) في المنطقة المذكورة بطاقة استيعابية تصل إلى حوالي مليوني مسافر سنوياً ومن الممكن زيادتها إلى أربعة ملايين مسافر بهدف استيعاب الارتفاع الكبير في عدد المسافرين.

أما التمويل، فنظراً الى أن قرار مجلس الوزراء رقم 68/2018 لم يلحظ أو يحدد المصادر المالية اللازمة للتمويل من أجل المباشرة بالتنفيذ وجدولة العمل وحيث أن تنفيذ هذا المخطط يتطلب اعتمادات مالية ضخمة جداً وهي غير متوافرة في الوقت المنظور، وبما أن وزارة الأشغال العامة والنقل أخذت على عاتقها المبادرة إلى التطوير والنهوض بهذا المرفق الذي يُعدّ دعامة أساسية من دعائم الاقتصاد الوطني، كان القرار باللجوء إلى استقطاب التمويل والاستثمار والتشغيل من الخارج وفق قانون رسوم المطارات من دون أن تتحمل الخزينة العامة أي أعباء سواء تمويل أو قروض، على أن يفتتح هذا المبنى في الفصل الأول من العام 2027 وتحديداً في شهر آذار.

مساعي توسعة المطار لم تكن وليدة اليوم، بل افتتحها الرئيس سعد الحريري عام 2019، في الوقت الذي كان يدرس فيه لبنان خطة لتوسعة المطار بتكلفة تُقدر بنحو 200 مليون دولار من أجل زيادة الطاقة الاستيعابية إلى نحو عشرة ملايين مسافر من حوالي ستة ملايين سنوياً، على أن تشمل التوسعة إعادة النظر والتصميم الداخلي والخارجي لمبنى الركاب الحالي في المطار واستحداث جناح جديد للركاب من خلال استخدام مبنى الجمارك القديم وهنغار الشحن الملاصق له، والخارجين عن الخدمة. لكن اليوم، أصبحت حركة مطار رفيق الحريري الدولي تفوق قدرته الاستيعابية لا سيما في الأعوام الأخيرة بالتزامن مع شح في المال والتمويل لزوم أعمال الصيانة وازدياد أعباء انعكاسات الأزمة الاقتصادية على موظفيه، بحيث أصبح من الضروري اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع كفاءة المطار وتطوير بنيته التحتية وزيادة قدرة الاستيعابية وتزويده بأحدث الأنظمة والخدمات التكنولوجية لتقديم ما هو أفضل للمسافرين، تعزيز الشراكات بين مشغلي القطاعين العام والخاص وزيادة عدد الخطوط الجوية الدولية التي تستخدم المطار وفتح باب المنافسة في ما بينها للنهوض بالمطار والارتقاء به من جديد.

عام 1998، نجح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تأهيل مطار بيروت وتوسيعه، وبحسب مخططاته كان من المفترض أن تصل القدرة الاستيعابية للمطار إلى 16 مليون مسافر في العام 2035. ومع بناء الـ Terminal 2 وافتتاحه في العام 2027، سيخطو المطار خطوة رئيسة نحو الوصول إلى الهدف المنشود كي يبقى مطار رفيق الحريري الدولي واجهة مشرقة وعلامة فارقة في منطقة الشرق الأوسط يليق بمسافريه.

شارك المقال