لبنان يتصدر قوائم أسوأ التصنيفات العالمية

سوليكا علاء الدين

نجحت الأزمة المُستفحلة في تعبيد الطريق أمام تدحرج لبنان نحو قعر الهاوية بعد أن حطمّت مفاعيلها الأرقام القياسيّة كافة وجعلت منه البلد الأسرع والأسوأ تدهوراً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فالتقارير والاحصاءات جميعها تُشير إلى مدى تجذّر الأزمة وانعكاسها السلبي على الواقع المعيشي للبنانيين وتغلغلها في تفاصيل حياتهم اليوميّة، لا سيما مع استمرار مسلسل الانهيارات الصادمة للعملة الوطنية والذي لامس الشهر الفائت حاجز الـ145 ألفاً للدولار الواحد في مؤشر خطير لما ستحمله الفترات المقبلة من تقهقر لليرة اللبنانية.

وعلى وقع نكسات الليرة المتعاقبة وخسارتها ما يقارب الـ95 في المئة من قيمتها وما نتج عنها من تدهور في القدرة الشرائية للمواطنين، يعود الأمن الغذائي ليتصدّر واجهة المشهد اللبناني المأساوي من جديد. فبعد تقرير منظّمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي (فاو) المُخيف في العام 2022، حول انعدام الأمن الغذائي والذي صنّف فيه لبنان ضمن بؤر الجوع الساخنة في العالم، تابع برنامج الأغذية العالمي تحذيراته هذا العام أيضاً من خطورة انعكاسات الأزمة الاقتصاديّة الوخيمة على اللبنانيين. وفي هذا الإطار، أشار البرنامج إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه أزمة أمن غذائي متفاقمة مع حلول شهر رمضان المبارك بسبب ارتفاع معدلات تضخم أسعار الغذاء وانهيار العملات المحلية أمام الدولار الأميركي، ما يؤثّر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما أولئك الذين يعيشون في البلدان التي تواجه بالفعل الصراع وعدم الاستقرار.

وقد تصدّر لبنان قائمة تضخم أسعار السلع الغذائية في المنطقة حيث وصل إلى 138 في المئة، تليه سوريا عند 105 في المئة. أما في إيران وتركيا ومصر، فقد تخطّى معدل تضخم أسعار الغذاء السنوي الـ 61 في المئة، الأمر الذي يجعل من الصعب على العائلات تحمّل تكاليف المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والأرز والخضروات. كما لفتت بيانات البرنامج في شهر شباط، إلى وجود أربع دول في هذه المنطقة على قائمة مراقبة العملات الخاصة ببرنامج الأغذية العالمي المؤلفة من 15 دولة، من ضمنها لبنان ومصر وسوريا وإيران بحيث انخفضت قيمة العملات بنسبة تتراوح بين 45 و71 في المئة خلال الأشهر الـ 12 الماضية وحدها.

من ناحية أخرى، أشار البنك الدولي الشهر الفائت في أحدث موجز له عن الأمن الغذائي إلى حالة عدم اليقين التي تحيط بالأسواق الزراعية مع استمرار الحرب في أوكرانيا. إذ أكّد التقرير، على استمرار التضخم في أسعار المواد الغذائية المحلية، بحيث بلغت الزيادة في الأسعار أكثر من 5 في المئة خلال الفترة الممتدّة بين تشرين الثاني 2022 وشباط 2023 في مجمل الدول، خصوصاً في أفريقيا وأميركا الشمالية واللاتينية وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى. وبالاستناد إلى موجز البنك، احتلّ لبنان المرتبة الثانية في العالم، بعد أن بلغت زيادة أسعار الغذاء 139 في المئة ليستمرّ في البقاء ضمن قائمة الدول العشر الأسوأ عالمياً من حيث زيادة أسعار الغذاء الحقيقية.

أمّا على المستوى المحلّي، فالأرقام الصادرة توثّق أيضاً مخاوف المنظمات والهيئات الدولية وتحذيراتها من تداعيات الأزمة الوخيمة. فوفق إدارة الاحصاء المركزي، سجّلت أحدث الاحصاءات إرتفاعاً شهريّاً بنسبة 25.52 في المئة في مؤشّر أسعار الاستهلاك في لبنان خلال شهر شباط الماضي، مقارنةً بنسبة 8.43 في المئة في الشهر الذي سبقه وبالاعتماد على متوسط سعر بلغ 85 ألف ليرة للدولار الواحد، وهو ما يدفع إلى ترقب المزيد من الارتفاعات لشهر آذار ولحصيلة الفصل الأول، بعدما بلغ الدولار أعلى مستوياته القياسية عند 145 ألف ليرة، قبل أن ينخفض إلى عتبة الـ 110 آلاف ليرة، نتيجة تدخّل المصرف المركزي عارضاً بيع العملة الخضراء بسعر 90 ألف ليرة. وقد سجّل مؤشّر تضخم الأسعار على الصعيد السنوي، زيادة بلغت نسبتها من 189.67 في المئة إلى 2.784.13 في الشهر الثاني من العام 2023، مقارنةً بمستوى بلغ 961.15 في الفترة نفسها من العام 2022. في حين بلغ متوسط الزيادة السنوية في مؤشّر تضخم الأسعار 156.07 في المئة لغاية شهر شباط 2023.

ليست هي المرة الأولى التي يتصدّر فيها لبنان قوائم أسوأ التصنيفات العالمية وفق التقارير الدولية والأممية المتتالية التي لا تزال حتى اليوم تدق ناقوس الخطر الدائم وتدعو إلى ضرورة تضافر الجهود وإيجاد الحلول لإنقاذ ما تبقّى من هياكل البقاء والصمود المتصدّعة. فالبلد الغارق في تضخم جامح أصبح أمنه الغذائي في خطر، وهو يحتاج إلى خطة اقتصادية – اجتماعية عاجلة ومتكاملة تضعه على مسار سكة التعافي الانقاذية وتؤازره في بناء شبكة استقرار وأمان إجتماعي لإعادة حياة باتت مفقودة لوطن مُنهك ولشعب مهدّد في لقمة عيشه.

شارك المقال