مستحقات القطاع العام… على الوعد يا كمون

هدى علاء الدين

مرّ يوم الاثنين من دون أي جديد يُذكر على القطاع العام الذي كان ينتظر إيجاد الحلول لأزمة رواتبه التي تآكلت قدرتها الشرائية بفعل الانهيار التام لليرة اللبنانية مقابل الدولار. القطاع الذي دخل حالة من الاضراب منذ حوالي أربعة أشهر، أكّدت روابطه المدنية والعسكرية الإصرار على النضال بكل الوسائل المتاحة لاستعادة الحقوق، معلنة الاتفاق على العمل المشترك الدائم وصولاً إلى تحقيق الأهداف. من استعادة قيمة الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية وتعويضات الصّرف ولو على مراحل، والحصول على الحق بالتغطية الطبية والاستشفائية الكاملة والشاملة والتعلم، وصولاً إلى بدل نقل كاف يُدفع وفقاً للمسافات، يطالب القطاع العام بتحصيل هذه الحقوق المقدسة والتي يعتبرها ديناً ممتازاً على الدولة. فأين هي الدولة من هذه الحقوق والديون في ظل خزينة عاجزة لا تملك القدرة المالية على الإيفاء بديونها؟

على مدى سنوات الأزمة الأربع، لم تنجح الدولة في إيجاد حلول جذرية للقطاع العام الذي تضخمت مشكلاته وأصبحت عبئاً على الدولة وفاقت قدرتها على تحمل تبعاتها. وعلى الرغم من أنصاف الحلول التي تُطرح هنا وهناك، إلا أن جذور الأزمة لا تزال في عمق الانهيار، لا سيما وأن الدولة تعي تماماً أن ما تعد به أعجز من قدرتها على التنفيذ، فالخزينة فارغة والإيرادات التي تحصل عليها لا تكفي لتحسين أوضاع موظفي القطاع العام إسوة بموظفي القطاع الخاص لتصبح الفجوة بين القطاعين كبيرة جداً.

ومع ارتفاع سعر منصة “صيرفة” 15 ألف ليرة عن الشهر السابق إلى 60 ألف ليرة، تستمر معاناة موظفي القطاع العام بسبب فقدان قيمة رواتبهم، في حين يرى الكثير منهم أن اعتماد سعر صرف 45 ألف ليرة لموظفي وزارة المالية ومنحهم جميع المستحقات هو بمثابة استمرار لسياسة الغبن التي تطالهم. على سبيل المثال، فإن الفئة الخامسة وهي الفئة التي تحصل على القيمة الأدنى من الرواتب (لا تتعدى الـ 5 ملايين ليرة)، أصبحت تُعادل 83 دولاراً بحسب سعر المنصة (60 ألفاً) بعد أن كان يتجاوز الـ 630 دولاراً قبل بدء الأزمة.

بين سعري صرف 60 و90 ألفاً للدولار عبر منصة “صيرفة” (قبل أن يخفضها مصرف لبنان مساءً إلى 88 ألف ليرة)، يتخبط موظفو القطاع العام في موجة من تآكل القدرة الشرائية بعدما ارتفع حجم رواتبه إلى حوالي 36 ألف مليار ليرة أي ما يعادل 350 مليون دولار وهو مبلغ لا يمكن أن تغطيه الدولة من دون مساندة من مصرف لبنان الذي يعمد إما إلى طبع المزيد من العملة لتغطية تكلفة زيادة أجور موظفي القطاع العام، أو إلى شراء الدولار على سعر الصرف في السوق الموازية وضخها للموظفين على سعر المنصة للافادة منها وبيعها وفقاً للسعر الموازي. وفي كلتا الحالتين يتكبد “المركزي” الخسارة ويسهم في رفع معدل التضخم وفي ارتفاع سعر الصرف نتيجة رفع الطلب عليه وهو ما حصل تماماً في الفترة الأخيرة.

قد يكون من المجحف تحميل القطاع العام وحيداً مسؤولية ما يحصل في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فالقطاع لا يمكن له الاستمرار في وضعه المالي الحالي وموظفوه عاجزون عن الوصول إلى مكاتبهم وأساتذته وعسكريوه وأمنيوه فقدوا أدنى مقومات الصمود. لكن استمرار إعطاء الوعود من دون إيجاد أي مصدر مالي لتغطيته لا يكبّد الدولة و”المركزي” المزيد من الخسائر ومحاولة استيفائه من جيوب اللبنانيين عبر الضرائب والدولار الجمركي والتلاعب بسعر صرف دولاراتهم، يجعل من عبء تأمين الأموال للقطاع العام الأكثر ثقلاً على سعر صرف العملة الصعبة وخزينة الدولة التي يزداد العجز فيها يوماً بعد يوم.

وبانتظار انعقاد جلسة الحكومة الخميس، لا تزال العديد من الطروح كتثبيت سعر منصة “صيرفة” على سعر صرف خاص للقطاع العام ومنح بدل البنزين وبدل انتاجية عن كل يوم عمل تحتاج إلى مزيد من الدراسة لمعرفة تداعياتها وانعكاساتها على التضخم وسعر الصرف، علماً أن القطاع المتضخم يحتاج إلى حلول جذرية بدءاً من إعادة هيكليته وتوفير جزء ثابت من الراتب بالدولار يحمي موظفيه من التقلبات في السوق الموازية وتأمين الايرادات اللازمة له بعيداً عن مصرف لبنان.

شارك المقال