الدولار الأسود… “استراحة محارب” 

هدى علاء الدين

إلى ما دون الـ 100 ألف ليرة لبنانية، واصلت العملة الوطنية ارتفاعها أمام الدولار الذي انخفض سعر صرفه في السوق الموازية إلى 97500 ليرة مقابل الدولار الواحد، مسجلاً انخفاضاً قدره 45 ألف ليرة في غضون أسبوعين بعد تدخل مصرف لبنان من أجل ضبط انهيار سعر الليرة الذي وصل إلى 143000. تراجع الدولار الذي أشاع جواً من الارتياح العام لدى اللبنانيين بسبب انخفاض سعر كل السلع والخدمات المدولرة، أثار في الوقت نفسه الفضول لمعرفة الأسباب المباشرة التي أدّت إلى هذا الانخفاض، وعما إذا كان سيدوم لفترة طويلة أم أنه تراجع وهمي بالتزامن مع صرف رواتب القطاع العام والذي اعتاد اللبنانيون عليه قبل أن يُعاود الارتفاع من جديد متى يحين ذلك؟ فما هي هذه الأسباب؟

بالعودة قليلاً إلى 21 آذار الماضي، عندما ارتفع سعر صرف الدولار إلى مستواه التاريخي، بلغ حينها حجم التدوال على منصة “صيرفة” 12 مليون دولار أميركي فقط بمعدل 90000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وهو رقم متدنٍ مقارنة بالقيمة التي وصل إليها الدولار، في حين بلغ يوم أمس 97 مليون دولار أميركي بمعدل 88000 ليرة لبنانية للدولار الواحد وهو ما يعكس إقبال المواطنين والتجار وأصحاب الشركات على شراء الدولار عبرها، ما يعني أن هذه الدولارات متوافرة بكثرة من خلال المنصة.

من جهة أخرى، أدّى هدوء مصرف لبنان في السوق السوداء وتوقفه عن شراء الدولار إلى الحد من حجم الطلب على العملة الأجنبية، بعد أن أمّن احتياجاته لزوم رواتب القطاع العام والودائع الدولارية وفقاً لتعاميمه. كما أن المصرف يعمد الى ضخ ما يمتلك من الدولارات التي جمعها مسبقاً وبيعها في السوق لمحتاجيها وفقاً لسعر منصة “صيرفة” التي شهدت تراجعاً طفيفاً إلى 88000 ليرة. وعليه، فإن سعر الصرف يتأثر بصورة مباشرة بحجم الطلب والعرض وصل إلى مرحلة متوازية بينهما والذي قد يؤدي في حال استمرار ضخ الدولار في السوق بوتيرة تفوق الكمية المطلوبة (أي الطلب) إلى المزيد من الانخفاض في سعر صرف الدولار.

كما أن عامل الخوف من استمرار انخفاض الدولار والذي دفع حامليه إلى التخلص منه عبر بيعه للصرافين لتحقيق بعض المكاسب قبل هبوطه بوتيرة أسرع، هو أيضاً أحد الأسباب التي تُسهم في التراجع المؤقت للدولار، على أن تباع هذه الدولارات لاحقاً لمصرف لبنان عبر الصرافين، فضلاً عن الأجواء الايجابية والحركة المكوكية التي تقوم بها بعض الدول من أجل تحريك المياه الراكدة في ملف الرئاسة الأولى وكسر الجمود فيه تمهيداً لانتخاب رئيس جديد.

من المتوقع أن يحافظ الدولار على هذا الانخفاض في سعره إلى حين تدخل مصرف لبنان المباشر في السوق السوداء كمشترٍ رئيس للعملة الصعبة لتمويل احتياجات الدولة بعيداً عن المس باحتياطه الالزامي. وإلى أن تأتي هذه اللحظة، سيلجأ مصرف لبنان في كل مرة يمتلك فيها فائضاً من الدولار، إلى ضخه في السوق لزيادة المعروض منه بالتزامن مع التوقف عن شرائه، ليصبح هذا السيناريو المتكرر سياسة “المركزي” المتبعة في الفترة الأخيرة والذي يهدف من خلاله إلى التحكم بالطلب والعرض على الدولار وفقاً لاحتياجاته. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن تراجع سعر صرف الدولار وإن كان خطوة إيجابية يريح الأسواق قليلاً من تقلباته ويمنح المواطنين هدنة لالتقاط الأنفاس، إلا أن استمراره على هذه الحال من المحال خصوصاً وأن العوامل التي تُسهم في هبوطه ليست عوامل ثابتة ومبنية على أسس اقتصادية سليمة، بل هي عوامل مؤقتة وظرفية تتحكم بها جهات سياسية ونقدية وشركات حوالات ومضاربين أصبحوا أبطال لعبة الدولار في لبنان.

شارك المقال