لبنان يخرج صندوق النقد وعملته الى التبخر… فهل نتحول الى الاكوادور؟

ليندا مشلب
ليندا مشلب

منذ أيام غادر وفد يرأسه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ويضم مستشار الرئيس نجيب ميقاتي للشؤون الاقتصادية سمير الضاهر والنائبين الأول والثاني لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري وسليم شاهين الى واشنطن للمشاركة في الاجتماعات نصف السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي spring meetings. الخبر مرّ مرور الكرام وبدل التركيز على نتائج هذا الاجتماع وما دار فيه، انشغلت الأوساط السياسية ووسائل الاعلام بالوفد النيابي الذي كان يعقد في التوقيت نفسه في واشنطن اجتماعات وصفتها مصادر حكومية بأنها “شعبوية”. كذلك صودف وجود النائب ابراهيم كنعان للمشاركة في الـparliamentary sessions التي يدعو اليها البنك الدولي نواباً في اللجان المالية والاقتصادية من مختلف الدول، فيما الحدث كان في اجتماعات الوفد الحكومي مع بعثة الـ IMF.

يقول مصدر حكومي رفيع لموقع “لبنان الكبير”: “لا مفاجآت في الاجتماع مع صندوق النقد وبالتحديد مع الدائرة التي تهتم بشؤون الشرق الأوسط والطاقم المعني بلبنان لأن ما سمعه الوفد اللبناني متوقع، وقد دخل خجولاً مدركاً أنه سيتعرض للمساءلة: ماذا فعلتم؟ وماذا تريدون منا؟”. علماً أن وفداً من الصندوق كان جال في الخامس عشر من الشهر المنصرم على المسؤولين وركز بحثه على المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، ومكث أسبوعاً وأعدّ تقريراً أكد فيه أن حكومة لبنان لم تنجز الشروط المطلوبة المسبقة لطلب الاقتراض .

رئيس البعثة أرنستو راميريز ريغو سأل الوفد اللبناني: هل تريدون فعلاً المساعدة منا؟ لم توحدوا سعر الصرف، لم تعدوا موازنة الـ٢٠٢٣، لم تصدروا قانون “الكابيتال كونترول”، وأقررتم تعديلاً لقانون رفع السرية المصرفية لا يتناسب مع المعايير الدولية، ولم تنجزوا بعد قانون اعادة هيكلة المصارف ولم تبدأوا بعد بالتدقيق المالي للبنوك الكبرى الـ١٤، ولم تنفذوا الالتزامات المتفق عليها. الشامي رد بطلب المرونة، فأجاب راميريز: “المرونة تتطلب المصداقية flexibility requires credibility، عندما تنجزون المطلوب منكم أهلاً وسهلاً بكم وهذه ملاحظاتنا على القوانين والمشاريع”، فدمدم أحد أعضاء الوفد قائلاً: “الصندوق رضي بهمنا وهمنا ما رضي فيه”. في اشارة الى أن سلوك الدولة اللبنانية يعطي انطباعاً بأنها لا تريد صندوق النقد، وقد تكون هذه حقيقة.

هذه اللقاءات للقادة الاقتصاديين في العالم مهمة جداً، اذ تحضر الى واشنطن وفود من ١٨٠ دولة بمشاركة المؤسسات المصرفية والمصارف المركزية من كل العالم ووزراء المال والمؤسسات الدولية والمنظمات، وتحصل لقاءات ومحاضرات وتقدم دراسات اقتصادية. وبينما كان المشاركون يبحثون في الحروب الاقتصادية في العالم وملفات الطاقة والغذاء والتطورات الطبية والمشاريع الذي يلتزمها البنك الدولي، كان لبنان نقطة في محيط هذه الاقتصادات العملاقة يحاول جاهداً الحصول على تمويلين لمساعدة شعبه من السقوط في بئر الفقر والعوز (مشروع المساعدات الاجتماعية ٣٠٠ مليون دولار ومشروع للأمن الغذائي ٢٠٠ مليون دولار)، وعندما عاد الوفد بدأت المفاوضات سريعاً وانتهت في يومين لتأمين الـ٣٠٠ مليون دولار للدعم.

يؤكد المصدر أن “صندوق النقد لم يتخلَّ عن لبنان وفي صلب مهمته مساعدة الدول المتعثرة، وبعثته أكدت لنا أنها مستعدة للمساعدة لكن هناك ممراً الزامياً لابرام الاتفاق النهائي هو تنفيذ الشروط. فالصندوق لن يترك لبنان، لكن الخوف هو من أن يترك لبنان الصندوق لذلك لا يفعل شيئاً. فصندوق النقد هو بمثابة مستشفى لـ١٩٠ دولة للأمراض الاقتصادية المستعصية، والكوتا التي حجزت لنا هي مبلغ ٣ مليارات دولار مع مساعدات فنية ورأى للصعوبات منهجية في تحضير الموازنات”.

لبنان منكوب يشدد المصدر، لكن ساسته كما جزء كبير من شعبه ينكرون. نسمع في الآونة الأخيرة أن الشعب “كذاب” لديه الأموال ويصرف مثل الزمن الأول وأكثر، المطاعم full والطرقات مزدحمة والسوبرماركات طوابيرها طويلة على الصناديق والدفع بالدولار شغال… لكن كل هذه الأمور لديها تفاسير: اذا احتسبنا عدد سكان لبنان ٤ ملايين هناك تمركز لثروات كبيرة لدى ١٠% منهم أي ٤٠٠ ألف مواطن أو ما يقارب النصف مليون، هؤلاء يستطيعون إشغال كل المطاعم والمقاهي والطرقات، اضافة الى أن هناك نسبة من السوريين الميسورين موجودون في لبنان ويصرفون الأموال، كما أن النازحين يملأون الأحياء والدكاكين والسوبرماركات بسبب حصولهم على أموال الدعم الخارجي بالـfresh يعني القول ان الناس تكذب ومرتاحة وتعيش بصورة طبيعية هو قول خاطئ لأن ٤٠٪؜ من الشعب اللبناني أي ما كان يعرف بالطبقة الوسطى أصبح عاجزاً عن العيش بالمستوى نفسه وأقل بكثير ولا ننسى التكافل الاجتماعي وأموال المغتربين التي ساعدت في الصمود. ويضيف المصدر: “لا نعرف هولاء الجهابذة الذين يدعون أنهم اقتصاديون كيف يقوّمون الوضع ويتابعون الحركة الاقتصادية في ظل تحول لبنان الى cash economy أي لم يعد المؤشر الاقتصادي مبيناً على السحوبات والشيكات والحركة المصرفية الطبيعية، كما أن الأموال الموجودة تحت الوسائد عرفت في بداية السحوبات اما الآن فلم يعد بالامكان تقديرها بصورة علمية فلبنان أصبح جنة لتهريب الأموال وتبييضها. في العام الماضي كان حجم الاقتصاد ٢٠ مليار دولار نسبة الى الناتج المحلي (صادرات ملياران، أموال مغتربين حوالي ٦ الى ٧ مليارات، صرف السواح لا يتعدى المليارين، مجموع هذه الأموال يصل الى حوالي ١٠ مليارات دولار). اذاً، ما هي مصادر المال المتبقي والذي يشكل نصف حجم الاقتصاد؟ هذا يعني أن الكونترول على دخول الأموال أصبح صعباً جداً. كما أن القطاع الخاص من الشركات الكبرى خصوصاً أوفى قروضه على الـ١٥٠٠ ليرة أي رد الدولار بـ١٠سنتيم ما سمح له بالوقوف مجدداً على رجليه فاستطاع دفع رواتب موظفيه بالدولار. أما القطاع العام فالحكومة تحاول إلحاقه بالغلاء وترتيب أوضاعه، وفي الجلسة الأخيرة اتخذت قرارات موجعة لصالحه، اذ ستتكلف الدولة ٤٥٠٠ مليار ليرة اضافية لتغطية الزيادات وهم يجلسون في بيوتهم منذ عامين، وهذا كله أثر بصورة سلبية جداً على عجلة المؤسسات واستيفاء الايرادات والأجهزة الأمنية (مظبطة حالها) بالمساعدات الخارجية بالـfresh”.

كل هذا يجعل لبنان يصمد قليلاً لكن الواقع يقول اننا لسنا بخير والناس تلهت بهمومها. فهل تعلمون أن عائدات الدولة للعام ٢٠٢٢ أقل من مليار دولار فيما النفقات مليارا دولار يعني لدينا عجز بمليار دولار، كيف نسده؟ لن يقرضنا أحد فلساً أحمر، والحل بطباعة ليرات بالعملة الوطنية وهذا يفقدها من قيمتها أكثر وأكثر والخوف حقيقي من أن تختفي العملة اللبنانية، فالكل أصبح يتداول بالدولار لأن الليرة لم تعد لها قيمة، واذا أكملنا على هذا المنوال بعد ٦ أشهر ربما يختفي التداول بالليرة وتصبح غير مقبولة كما حصل تماماً في الاكوادور حيث اختفت عملتهم الوطنية وحل مكانها الدولار، وهذه مصيبة كبرى حيث ستكون فنزويلا جنة مقارنة مع لبنان لأن البوليفار ولو كان من دون قيمة لكنه لا يزال موجوداً في التداول.

لقد أصبحنا دولة متسولة يستطيع العيش فيها من يحصل على مدخول بالدولار فقط، ونسب الهجرة ترتفع كثيراً والقطاع المصرفي ينتهي على البطيء. المجتمع انقسم الى شقين فلا تفرحوا كثيراً، يقول المصدر عندما تجدوا حركة اقتصادية لأن الورم الخبيث يتفشى وينخر الجسم فيما مساحيق التجميل توضع على الوجه. كما أن انتظار الحل من باب الرئاسة هو تعمية، فاذا أتينا بسائق للسيارة لكنها معطلة ومعظم أجزائها لا تعمل ماذا سيستطيع السائق أن يفعل وكيف سيقودها؟ الحل يبدأ باصلاحها وهذا ما لا يقدم أهل الحكم على فعله فنحن نحتاج الى الاثنين معاً، لا بديل عن الاصلاحات ثم الاصلاحات ويكفي التحكم بسعر الصرف، يجب تحريره ووقف الشعوذات.

ويكشف المصدر أن هناك سعياً الى توحيد الايرادات على سعر “صيرفة”، أي سيصبح استيفاء كل الرسوم في موازنة الـ ٢٠٢٣ على سعر ٩٠ ألفاً بينما كان في الموازنة السابقة على سعر ١٥ ألفاً لبعضها وبقي التخبط بفعل عدم توحيد منصات “صيرفة”. فلا يجوز أن تكون كلفة النفقات على سعر السوق السوداء فيما الجباية على منصة “صيرفة” وهذا هو صلب العجز الواقعين فيه.

ويوضح أن أي ارتفاع اضافي في الدولار يمكن أن يحصل وسيحصل، لا يهم لأن الضربة الأساسية وقعت عندما ارتفع الدولار من ١٥٠٠ الى ١٥ ألفاً وخسارة الليرة ٩٠٪؜ من قيمتها، فالمعركة بالنسبة الى الليرة اللبنانية حسمت ضدها منذ وصول الدولار الى ١٥ ألفاً، اما الباقي منها الـ ١٠٪؜ فأصبح لعبة ضغط تتداخل فيها المصالح للدفع باتجاه المزيد من الانهيارات.

الكلام الشعبوي سهل جداً لكن المياه تملأ كل البيوت التي ستغرق، والتكافل والتضامن يحتّمان على الميسورين الدفع والمساعدة وليس الاستمرار في الاحتيال على القانون وتهريب الأموال والتهرب من الرسوم والضرائب، لأن المركب سيغرق بالجميع ولا بد من كف قوي لنستفيق.

شارك المقال