الدولار صامد في هدنته

سوليكا علاء الدين

إنقضت عطلة عيدي الفصح المجيد والفطر السعيد وها هم اللبنانيون يترقّبون من جديد وبحذر مصير دولار ما بعد الأعياد الذي لا يزال مستقرّاً في هدنة مُصطنعة حتى الآن. الاستقرار النسبي دون حاجز المئة ألف ليرة الذي شهده سعر صرف الدولار في السوق السوداء على مدى شهر تقريباً، تخرقه احتمالات وتحذيرات من إمكان عودته إلى مساراته التصاعديّة الجنونية بعد مغادرة السيّاح والمغتربين لبنان. وتزداد هذه المخاوف لا سيّما بعد القرارات المالية التي اتّخذتها الحكومة عبر إقرارها زيادة رواتب موظفي القطاع العام والغموض الذي يحيط بعدم تحديد مصادر تمويل هذه الزيادات، بالاضافة إلى انعكاسات رفع سعر الدولار الجمركي من 45 ألف ليرة إلى 60 ألفاً. فهل تطول هذه الهدنة أم أنّ لجنون الدولار رأياً آخر؟

حركة تجارية وسياحية نشطة شهدها لبنان خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بالتزامن مع موسم الأعياد، بحيث أغرق السوق وأشبع بدولارات السيّاح واللبنانيين المغتربين التي ساهمت في استقرار وهمي لسعر الصرف، غير أنّ دولار الأعياد وحده لا يُعتبر مؤشراً كافياً على تحسّن سعر صرف الدولار ولا يمتلك القدرة اللازمة لتخفيضه. فالسبب الرئيس وراء هذا الاستقرار وضبط صعود سعر الصرف عائد إلى الضخ المتواصل للدولار الذي يقوم به المصرف المركزي خلال أيام التعاملات عبر منصة “صيرفة” بشرائه الدولارات من السوق السوداء، مستفيداً اليوم من دولارات المغتربين لاستخدامها في مرحلة ما بعد الأعياد.

وتؤكد مصادر مطّلعة عدم وجود أي علاقة لسعر صرف الدولار بفترة الأعياد، لأنّ سبب انهيار سعر الصرف لا يعود إلى النقص أو الشح في الدولار، فالعملة الخضراء متوافرة في السوق سواء عبر تحويلات المغتربين أو أموال الوافدين والسائحين، إنّما تكمن المشكلة في طباعة “المركزي” المُستمرّة للعملة الوطنيّة وانعكاساتها التضخميّة، وفي كميات الليرة الهائلة التي تضخ في السوق، ويستبدلها المواطنون بالدولار الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الانهيار والتدهور لليرة اللبنانية.

تقلبات كبيرة ومتفاوتة شهدها سعر صرف الدولار خلال شهر آذار الفائت، بعد أن تجاوز عتبة المئة والأربعين ألف ليرة في ارتفاع قياسي هو الأكبر منذ أربع سنوات قبل أن يلجمه “المركزي”. الا أنّ هذا الانخفاض الوهمي وغير المضمون يبقى قابلاً للارتفاع في أي وقت لا سيما مع التشكيك في عدم قدرة “المركزي” على الاستمرار في ضخ الدولارات في السوق مع استنزاف احتياطياته بالعملة الأجنبية وكسرها حاجز الـ 10 مليارات دولار أميركي. أضف إلى ذلك، فإن لبنان على موعد مع استحقاق نقدي مهم يتمثّل في تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بعد انتهاء ولاية رياض سلامة أواخر تموز المقبل، والخشية التي ترافق هذا الاستحقاق النقدي من عدم تعيين حاكم جديد في ظل تواصل الفراغ الرئاسي وعدم وجود حكومة جديدة، وبالتالي إحتمال سيطرة “شبح الفراغ” على موقع الحاكميّة أيضاً وما سيولّده ذلك من نكسات وأزمات على الوضع النقدي والمالي المُتداعي.

إذاً، الدولار الرازح تحت هدنة مؤقتة تنتظره الكثير من الاستحقاقات الدستورية والالتزامات المالية والمحطات السياسية الحاسمة التي من شأنها أن تغّير من توقعات مساراته تبعاً للمستجدات الحاصلة، خصوصاً وأن جميع القرارات المُتخذة حتى اليوم من أجل ضبط الانفلات هي قرارات ترقيعيّة ومؤقّتة أثبتت عدم جدواها وفاعليتها على المدى الطويل. كما أنّ الحلول المُجدية لا تزال غائبة مع غياب الاصلاحات الاقتصادية وانعدام الاتفاقات السياسية، ليبقى الدولار رهينة التقلبات والمناكفات ومصيره معلّقاً ومتأرجحاً بين صعود وهبوط إلى أجل غير مسمّى.

شارك المقال