كورونا واللقاح… “ربّ ضارّة نافعة”

حسناء بو حرفوش

نشر موقع مجلة “دير شبيغل” (Spiegel) الألمانية مقالاً يعد بأن قصص نجاح لقاح كورونا التي حققتها شركتا بيونتك (BioNTech ) ومودرنا (Moderna ) قد تشكل نقطة انطلاق لنجاحات ضد أمراض أخرى، من أمراض القلب إلى الأورام السرطانية واضطرابات الجهاز العصبي. وسلط المقال المفصل الضوء على الحيثيات العلمية لعدد كبير من الأبحاث التي ستتطلب وقتاً وتمويلاً هائلين دون شك، والتي تعد بتخلص البشرية من أمراض مستعصية.

وبحسب المقال، “أثبتت تقنية “الحمض النووي الريبوزي المرسال” (mRNA) نجاحها الكبير وبفعالية قياسية وصلت إلى نسبة 90٪ ضد فيروس كورونا، في معجزة قد تعبّد الطريق لنجاحات جديدة أن استمرت الأمور على هذا المنوال (…) وقد طور الباحثون بناء على تقنية mRNA مناهج علاجية لأمراض الإيدز والأنفلونزا والسل والتصلب المتعدد والروماتيزم وجميع أنواع الحساسية وداء الزهايمر والتليف الكيسي والتهاب مفاصل الركبة وسواها، بالإضافة إلى العديد من أنواع السرطان، بما فيها سرطان الثدي والجلد والرئة والقولون والبروستاتا.

قلب صناعة الأدوية رأساً على عقب

(…) وقد قلب الانتصار على كورونا كل الموازين، بعد أن عانت تقنية mRNA لفترة طويلة، من التقليل من إمكاناتها حتى من قبل خبراء الصناعة. وواجه الباحثون في هذا المجال، تحديات كبيرة تحديداً في ما يتعلق بجمع الأموال لتجاربهم. ثم تغير كل شيء مع جائحة الفيروس التاجي واختبار التقنية عملياً في ظروف الحياة الواقعية ثم إثبات فعاليتها (…).

كما يعكف الباحثون منذ بعض الوقت على البحوث التي تهدف لشفاء أمراض القلب. ونذكر في هذا السياق تجربتين في فنلندا وميونيخ، حيث سيتلقى نحو 24 من مرضى القلب حقن اللقاح. ويبدو أن الدراسة قد خطت خطوات كبيرة ويمكن حتى استكمالها هذا الصيف بتمويل من شركة الأدوية البريطانية السويدية أسترازينيكا

(AstraZeneca) ويتوقع أوغور شاهين، الشريك المؤسس لشركة بيونتيك، أن العلاجات الطبية الجديدة القائمة على mRNA ستصل إلى السوق واحدة تلو الأخرى في السنوات العديدة المقبلة، متوقعاً أن “يعتمد ثلث مجموع الأدوية الموافق عليها، على تقنية mRNA في غضون 15 عاماً، (…) وبإمكان التكنولوجيا أيضًا أن تقلب صناعة الأدوية رأساً على عقب”.

نشوة صناعية

ودخلت الصناعة الناشئة التي تعتمد على هذه التقنية حالياً في زوبعة من النشاط (…) يقول غوراف ساهاي، الأستاذ المساعد في قسم العلوم الصيدلانية في جامعة ولاية أوريغون والمستشار لدى شركات الأدوية الناشئة وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة: “تشهد الصناعة تسونامي من النشوة. وستغير هذه التقنية الطريقة التي تنظر بها إلى الأمراض وتعالجها” (…) بعد أن اعتبرت لفترة طويلة غير مناسبة كمسار علاجي محتمل (….) ويأمل الباحثون بإمكانية استخدام هذه الطريقة لبرمجة الخلايا لإنتاج بروتينات علاجية لمحاربة السرطان وللتعرف على الأمراض الفيروسية ومكافحتها.

سلاح جديد ضد الأمراض المستعصية

(…) وأثبتت اللقاحات التقليدية عدم فعاليتها ضد العديد من الأمراض المعدية، مثل الإيدز وحمى الضنك. كما ثبت أنها لا تمنع الملاريا، المرض الشائع في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، والذي تنقله بعوضة الأنوفيلة (…) ويمكن أن يصاب الناس بالمرض لمرات عدة، حتى بعد التغلب على العدوى الأولية. وتتسبب الملاريا في كل عام بوفاة أكثر من 400 ألف شخص، معظمهم من الأطفال.

وتمكن ريتشارد بوكالا طبيب من كلية ييل للطب في كونيتيكت، مؤخراً من حماية الفئران من عدوى الملاريا بفضل تقنية لقاح mRNA (….) ويقول بوكالا إن التجارب الأولى التي تشمل البشر قد تبدأ في غضون عامين (…) في غضون ذلك، تأمل بيونتك، بدعم من مؤسسة بيل وميليندا غيتس، بتطوير لقاح فعال ضد فيروس نقص المناعة البشرية والسل، الذي يودي بحياة 1.5 مليون شخص سنوياً. كما تأمل موديرنا أن تطلق قريبا تجربة المرحلة الثالثة من لقاح mRNA ضد الفيروس المضخم للخلايا، والذي قد يؤدي لإصابة الأطفال المولودين لأمهات شخصت إصابتهن بالمرض، بإعاقات شديدة. علاوة على ذلك، قد تساعد تقنية mRNA في التخلص من الأنفلونزا الموسمية، التي تقتل نحو 650 ألف شخص كل عام (…).

لقاحات ضد السرطان

(…) وتسعى تقنية mRNA، لتمكين الأجهزة المناعية داخل جسم المريض من التعرف على البروتينات المسؤولة عن نمو الأورام السرطانية، على أمل أن يؤدي التطعيم باللقاح إلى مساعدة الجسم على تدمير الأورام، دون الحاجة إلى العلاج الكيميائي والإشعاعي. وقد تؤتي هذه المساعي ثمارها بالفعل، وذكرت بالفعل دراسة واعدة حول ذلك تعود للعام 2017. الخطوة التالية هي تطوير تقنية لقاح mRNA لمرضى سرطان القولون (….) ويقول ديرك أرنولد، كبير أطباء الأورام في مستشفى أسكليبيوس ألتونا ورئيس مركز أسكليبيوس للأورام في هامبورغ، والذي سيشارك في التجارب السريرية: “نأمل أن يتم تحفيز الجهاز المناعي للعثور على جميع الخلايا السرطانية المتبقية وتدميرها”. يمكن علاج الأشخاص الذين خضعوا للاختبارات لأول مرة بحلول نهاية هذا العام. ومن المقرر أيضًا اختبار العديد من علاجات السرطان الإضافية قريبًا (…) وعلى الصعيد العالمي، لا ينصب التركيز على سرطان الجلد والقولون فحسب، ولكن أيضاً على الأورام الخبيثة في البنكرياس والرئتين والثدي والبروستاتا والدماغ والمبيض. وفي حال الوصول إلى مرحلة طرح المنتج في السوق، من المؤكد أنه سيلقى نجاحا كبيراً. ووفقاً للتوقعات، ستبلغ قيمة سوق علاج السرطان أكثر من 200 مليار دولار بحلول العام 2022.

وأخيراً، تستمر الدراسات التي تهدف لاستثمار هذه التقنية في علاج اضطرابات جهاز المناعة والحساسية ومشاكل تجديد الغضروف وقصور القلب المزمن، بالإضافة إلى سعي فريق من الباحثين اليابانيين لكبح تدهور الدماغ من خلال معالجة الأمراض المرتبطة بالشيخوخة والزهايمر.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً