عشوائية الدولار الجمركي… تضرب المواطن بزيادة التضخم والأسعار!

سوليكا علاء الدين

للمرّة الثالثة على التوالي وفي غضون ثلاثة أشهر، يتمّ رفع الدولار الجمركي بصورة ارتجالية وغير مدروسة والذريعة دائماً توفير إيرادات الدولة أو زيادتها على حساب جيوب اللبنانيين المُفلسة. التعديل الجمركي الثالث الذي قضى برفعه إلى ما يوازي منصة “صيرفة” وفق تعميم صادر عن المصرف المركزي، دخل في الأوّل من أيّار حيّز التنفيذ لتدخل البلاد معه مرحلة جديدة من العشوائية والتفلّت في ظلّ استفحال الأزمة واستشراس نسبة التضخم والتخوّف من أن يؤدّي هذا التعديل إلى موجات تصاعدية جديدة لسعر صرف دولار السوق السوداء وما يُرافقه من غلاء مُطرد وفاحش للأسعار.

القرار الذي اتخذ من أجل تمويل زيادة رواتب القطاع العام المُرتقبة ومعاشات المتقاعدين، من المتوقع أن تنتج عنه ارتدادات اقتصادية واجتماعية وخيمة وانعكاسات خطيرة على حياة المواطنين اليومية. وتكمن أبرز هذه التداعيات في تراجع حجم الاستيراد وارتفاع معدل التهرب الجمركي وازدياد عمليّات التهريب والمزيد من نسب التضخم المُرتفعة، وبالتالي زيادة أسعار السلع والخدمات الحيوية التي ستَرفع بدورها تكلفة المعيشة، وتفاقم معدّل الفقر لا سيما مع التراجع المُستمر في القدرة الشرائية للبنانيين والتدهور المُزمن لليرة، بالإضافة إلى تحليق متواصل للأسعار بحيث أشارت نقابة مستوردي المواد الغذائية، إلى أنّ ارتفاع سعر الدولار الجمركي سوف يزيد من أسعار السلع الغذائية، أي أنّ كل ارتفاع بقيمة 15 ألف ليرة في الدولار الجمركي سيُؤدّي إلى ارتفاع بنسبة 5 في المئة في أسعار السلع والأصناف المُستوردة التي يُفرض عليها الرسم الجمركي مثل المواد الغذائية المعلّبة والفاكهة والخضار والألبان والأجبان، ما يعني أنّ الزيادة على الأسعار ستكون نسبيّة وقد تتراوح ما بين 10 أو 15 في المئة حسب الضريبة الجمركيّة المفروضة في الأساس على الصنف المستورد.

من جهة ثانية، وعلى الرغم من إفلات بعض السلع الغذائية من سيطرة الدولار الجمركي وإصدار “المركزي” لائحة بالمتوسّطات الشهرية لأسعار العملات الأجنبية، التي يجب إعتمادها في الدولار الجمركي باستثناء السيارات المُستوردة الجديدة والمُستعملة، الا أنّ هذا الارتفاع من شأنه أن يطال السلع الاستهلاكية كافة من دون استثناء ما سيُؤثّر سلباً على استهلاك المواطن الواقع بين سندان فوضى التسعير السائدة، ومطرقة جشع التجار والمهربين والمحتكرين الذين لن يتوانوا عن استغلال إنعدام المُحاسبة والرقابة من أجل وضع لائحة أسعار خيالية تتخطّى نسبة الزيادة المُقدّرة بـ 15 في المئة من أجل تجنّب خسارة قادمة وبالتالي تحميلها للمواطن المُحارَب بلقمة عيشه.

من جديد، تتصدّر سياسة أنصاف الحلول والقرارات الترقيعية واجهة المشهد الاقتصادي المتأزّم في لبنان. فالزيادات المُنتظرة على رواتب موظفي القطاع العام والتي لم تُرضِ أصحاب الشأن على اعتبار أنّها غير كافية وغير مُنصفة، لن تمول من خزينة الدولة الفارغة، بل من جيوب المواطنين عبر فرض رسوم وضرائب مُجحفة بحيث لن يُصبح لهذه الزيادة الوهميّة أي قيمة، إذ أنّ الموظّف سوف يقوم بدفعها فرق غلاء الأسعار، ليكون هذا القرار بمثابة من يُعطي أموالاً باليد اليُمنى ثمّ يستردّها باليد اليُسرى. فما الفائدة من إقرار زودة رواتب إن كان سيُقابلها رفع الدولار الجمركي؟ وماذا لو عاود سعر صرف الدولار ارتفاعه ومعه ارتفع سعر منصة “صيرفة” إلى مستويات صادمة؟ وكيف سيتحمّل اللبناني هذا العبء المُنهك مع التآكل المُستمر لقيمة راتبه؟

شارك المقال